عرضنا في كتابنا عبقرية محمد لمسألة تعدد الزوجات، ولخصنا في عدد ماض من الرسالة ما كتبه المصلح الهندي السيد محمد علي عن هذه المسالة في كتابه عن الإسلام والنظام العالمي الجديد، وخلاصته (أن الإسلام يزكي وحدة الزوجة ويفضل هذا الزواج على كل زواج. إلا أن الشرائع لا توضع لحالة واحدة، والدنيا كما نراها عرضة لطوارئ الشذوذ والاختلال، ومن هذه الطوارئ ما ينقص الذكور عدة ملايين ويزيد الإناث بمقدار هذا النقص في عدد الذكور، فضلا عن الزيادة التي تشاهد في عدد النساء من كل أمة على وجه التقريب في غير أوقات الحروب. وإن تعدد الزوجات في أمثال هذه الأحوال لخير من البغاء المكشوف. فقد قبلت المرأة الأوربية مشاركة الخليلات المعترف بهن وقبلت مشاركتهن في الخفاء، وأصبحت هذه المشاركة نظاما اجتماعيا مقررا لا معنى بعد قبوله وتقريره للاعتراض على تعدد الزوجات الشرعيات، فهو على الأقل أصون للأدب واكرم للنسل وأجمل بمنزلة المرأة من مهانة الابتذال، وأصلح للاعتراف به في علاقات المجتمع وقوانين الأخلاق).
ولم يكد هذا المقال يظهر في (الرسالة) حتى وصلت إلينا مجلة أمريكية حديثة من طراز جديد تسمى المساجلة أو المناقشة أو الحوار وتدور على موضوعات سياسية أو اجتماعية أو سياسية تختلف فيها الآراء، ويؤيد كل رأي منها فريق من الكتاب أو القراء، ومن هذه الموضوعات موضوع الطلاق وتعدد الزوجات وهل الأفضل للمجتمع الإنساني أن نبيح تعدد الزوجات تجنبا للطلاق أو نبيح الطلاق تجنبا لتعدد الزوجات. فكان من الطريف حقا أن نطالع هذه الآراء كما تخطر عندهم للرجال والنساء والفتيان والفتيات. فانهم في الواقع يقدمون الوجهة (الذوقية) في هذه المسالة على الوجهة الاجتماعية الخطيرة التي من أجلها توضع الشرائع وتسن المباحات والمحظورات، ولكن الواجهة الذوقية مع هذا قد تتغلب في أثرها على الواجهات الاجتماعية مع جلالة خطرها وضرورة النظر في علاجها. لأن المعارضة في تعدد الزوجات تفقد الكثير من أسبابها القوية إذا أمكن التغلب عليها من جانب