يلحق بالأزهر في ركنه الشرقي (زاوية العميان) يعيش فيها الآن حوالي ثلاثمائة ضرير فقير، وأغلبهم من الطلبة، على الأوقاف المحبوسة عليهم. وقد عرف هؤلاء بسلوكهم طريق التمرد والعنف والتعصب. وقد حدث منذ زمن غير بعيد أن دخل سائح أوربي الأزهر وشاع أمر حضوره، فأخذ العميان يبحثون عنه صائحين: أين الكافر؟ سوف نقتله! وجعلوا يتحسسون طريقهم إليه للقبض عليه. بينما لم يظهر غيرهم رغبة ما في مهاجمة الدخيل. وكثيراً ما كانوا ينتهجون، قبل تولي محمد علي الحكم، مسلك الطيش والضجيج كلما حسبوا أنفسهم مظلومين، أو كلما أنقص راتبهم في الطعام، فكانوا يخرجون إلى الشوارع مصطحبين بعض الإدلاء مسلحين بالعصى، يخطفون عمائم العابرين، وينهبون محتويات المتاجر. ولم يكد يعين الشيخ القويسني، أشهر علماء الأزهر الحاليين، شيخاً لزاوية العميان منذ بضع سنين، وكان كفيفاً، حتى أوجب جلد كل ضرير هناك، إلا أن العميان ثاروا عليه وقيدوه ثم جلدوه جلداً أشد بكثير مما قاسوه، وأكرهوه أخيراً على ترك منصبه
وكان التعليم مزدهراً ازدهاراً عظيماً في القاهرة قبل دخول الجيش الفرنسي أكثر منه في السنين الأخيرة. وقد عانى التعليم كثيراً مما أحدثه هذا الغزو من الرعب والهرج. وكان يكفي قبل ذلك العصر أن يقوم الشيخ المتخرج من الأزهر بالتدريس لولدين من أولاد الفلاحين المتوسطي الثروة ليعيش في بحبوحة. إذ أن تلميذيه كانا يقومان على خدمته ونظافة منزله وتجهيز غذائه. فكانا وإن شاركاه الطعام يعتبر أن خادمين له في كل آن. فيتبعانه أينما ذهب، ويحملان نعليه (وكثيراً ما كانا يقبلان حذائه بعد خلعه) عند دخوله