المسجد، ويعاملانه في كل حين معاملة الأمراء. وكان الشيخ حينئذ يلبس الملابس الفضفاضة والمقلة العظيمة. وكثيراً ما كان المارة يسرعون إليه عندما يمر بالطريق راجلاً أو راكباً طالبين منه الدعاء لهم؛ ويعتقد من تحقق رجاؤه أن البركة حلت به. وإذا مر الشيخ بإفرنجي راكب وجب على الإفرنجي أن يترجل. وإذا ذهب إلى الجزار لشراء اللحم (إذ يرى أن الذهاب بنفسه خير من إرسال غيره) رفض هذا أن يتناول الثمن وقبل يده معتبراً طلب الشيخ شرفاً وبركة. أما الآن فقد انحط شأن هؤلاء الشيوخ حتى يصعب عليهم الحصول على معاشهم إن لم تكن مواهبهم منقطعة النظير
ولا جرم أن علماء المسلمين يعوقهم الدين عن السير في بعض سبل العلم. وقد تفصل الخرافة في أمور اختلف فيها الناس أجيالاً طويلة. وهناك وسيلة غريبة لحسم النزاع في أي موضوع ديني أو علمي أو في أي حادث، أضرب لها مثلاً. فقد قص على إمام الشيخ المهدي المفتى السابق الحكاية التالية: كان الشيخ محمد البهائي، وهو رجل مثقف يعتبره العامة ولياً من أولياء الله، يستمع إلى درس الشيخ الأمير الكبير شيخ المالكية عندما قرأ هذا حديثاً للرسول من الجامع الصغير للسيوطي وهو (إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة في الجنة) وأخذ يشرح الحديث بعد أن لخص تاريخ الحسن والحسين ملاحظاً أن لا أساس للرأي القائل بوجود رأس الحسين في مسجده بالقاهرة. وهنا قال محمد البهائي: فتملكني غم شديد لهذه الملاحظة لمخالفتها ما أعتقد وما زلت أعتقد، بوجود الرأس الشريف في هذا المشهد. ولكني ما كنت لأعارض الشيخ لشهرته وسعة علمه.
وانتهى الدرس وخرجت أبكي. فلما جن الليل قمت أدعو الله وأبتهل إليه ولجأت إلى رسوله الكريم (ص) متوسلاً أن أراه في المنام ليخبرني بحقيقة الأمر. فرأيتني أسير إلى المشهد الحسيني. فلما دنوت من القبة أبصرت بها نوراً ساطعاً فدخلت فوجدت أحد الأشراف واقفاً بالباب. فحييته فرد التحية وقال:(سلم علي رسول الله). فأرسلت النظر نحو القبلة فرأيت الرسول (ص) جالساً على عرش وعلى جانبيه وقف رجلان. فرفعت صوتي قائلاً:(الصلاة والسلام عليك يا رسول الله) عدة مرات وأنا أبكي. فسمعته (ص) يقول لي: (أدن يا بني، يا محمد) فأخذ الرجل الأول بيدي وقدمني إلى الرسول (ص). فحييته فرد التحية وقال:(جزاك الله خيراً على زيارة رأس الحسين يا بني). فقلت: (يا رسول الله هل رأس