للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[صورة]

بغير عنوان!

للأستاذ علي الطنطاوي

(هذه صورة من صور الحياة، أعرضها على علاتها في الرسالة، ليلحق عليها من شاء

من القراء شرحاً وحاشية وتعليقاً.)

ذهبت أمس إلى الحلاق، وتخيرت آخر ساعة من النهار كي يخلو لي المكان، ولا تغروني نظرة. . فوجدت عنده شاباً، وكرهت أن أدخل فأنظره، وأنا أكره الناس للانتظار، فهممت بالرجوع. ولكن الحلاق أومأ إلي أن أدخل، لن يلبث حتى يقوم فقد أوشك أن ينتهي. فدخلت

وكان الشاب قد انتهى حقاً، وكان قذاله وعذاره وسالفته مقصوصة، وكانت جمته مرجله مصففة، وكان وجهه كالمرآة الصقيلة ما فيه (والحمد لله) أثر من لحية أو شاربين! فما باله لا يزال قاعداً على الكرسي؟ وماذا ترى الحلاق صانعاً به بعد؟ ثم اطمأننت وقلت: قد انتهى وإنه لقائم. وقعدت أرقبه فلم يرعني إلا الحلاق يقبل على شعره فينفشه نفشاً وهو ساكت لا ينكر عليه. فقلت: لعله قد بدا له، فأحب أن يقصر من هذا الشعر، ولن يطول أمد هذا التقصير، وإني منتظر.

وتنظرت والحلاق ماضٍ في عمله، حتى إذا تم النفش غدا على رأس صاحبنا شجرة ذات فروع. . . فعجبت كيف كان هذا الشعر كله مصففاً مستقراً، ورثيت له إذ يحمل على رأسه أبد الدهر هذا الحمل الثقيل، وأعجبني منه أن يزمع الخلاص منه.

ولكنه لم يقصه كما قدرت أن يفعل، بل أشار إلى الحلاق فعمد إلى هنات سوداء لا والله ما عرفتها من قبل وسنّى سنّى! فأدخلها النار حتى احمرت ثم أدناها منه، فأشفقت أن يصيبه منها أذى، ثم فكرت فقلت: لعله مريض يكتوي، وقديماً قالت العرب: آخر الدواء الكي. ونظرت فإذا هو يقبض على شعره بإحدى هناته تلك، ويديره عليها، ثم يستلها منه استلالاً، ثم يفعل مثل ذلك وأنا أعجب، حتى انتهى فإذا صاحبنا قد عاد جعد الشعر، وقد كان سبطا، فقلت: إنا لله! رجل أصله من البربر فهو يحب أن يتشبه بأصله، والتمست له المعاذير.

وحسبته قد انتهى وظننت أنه قائم، ولكنه لم يقم بل أشار إلى الحلاق. فضمّخ رأسه بماء (كلونية) وأقبل فسرحه تسريحاً، وعاد فمسحه بدهن استخرجه من حق صغير، فصار

<<  <  ج:
ص:  >  >>