لرأسه وميض ولمعان، فقلت الحمد لله قد انتهى، ونزعت عني طربوشي، ثم أعدته إلى رأسي حين لم يقم. ولبثت أنتظر، وجاء الحلاق بكمهٍ فوضع فيها رأسه وشدها من حوله شداً، فقلت مصدع متألم فهو يخفف من صداعه.
ثم أخذ الحلاق الملقاط، وعمد إلى حاجبيه، فجعل ينتش منهما نتشاً وأنا أرثي له، وألح عليه بالنظر، علّ عينيه تقع على عيني، فأبذل له عوني ونصرتي، فإن هذا الحلاق لا يكاد يرحمه فلا يبصرني. ثم أدركت الحلاق رحمة فعفا عنه وأبقى عليه، فنظرت فإذا حاجباه خطان كأنما خطا بقلم؛ فقلت سبحان الله أي فتاة تعطى مثل هذين الحاجبين ثم لا تنزل راضية عن سنين من عمرها.
وفتح الحلاق خريطة فاستخرج منها كبة، أخذ منها خيطاً لفه بين أصابعه وجعل في وسطه فرجة تضيق وتتسع كلما شدها أو أرخاها، وأمر هذا الخيط على وجهه يتمعر ويخيل إلي أنه يقاسي ألماً شديداً، ثم كف عنه. فلا والله ما ترك في جبينه زغبة إلا واجتثها هذا الخيط.
فقلت: قد انتهى، ولم يبق في وجهه ما يذهب به، إلا أن يكون أنفه، فيكون كباغي الجمال بجدع الأنف، ولكن سرعان ما خاب ظني في أنه انتهى. ورأيت الحلاق يدلك وجهه دلكاً ويقرصه قرصاً، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، قد جن الرجل. . وإلا فماذا يكون هذا القرص من الحلاق، ثم كف فنظرت في وجه الشاب فإذا عليه حمرة الخجل، وأنعمت النظر والتفكير فعلمت أنها حمرة الصحة والحياة، أو حمرة الدلك والقرص، فهممت أن أقوم إليهفألتزمه وأهنئه على هذا الاختراع: يصيب الناس الصحة بالغذاء وبالرياضة ويصيبها هو بالدلك وبالقرص، ثم تخاذلت ورحت أنظر مشدوهاً إلى الحلاق وهو يصبغ وجهه بالأبيض والأحمر، ورأيتني لا أطيق احتمال هذا منه وأنا أكره من النساء أن يفعلنه، وعجبت كيف لا ينكره هو؟ وكيف لا يغضبه أن يعامل كامرأة.
ولكنه لم ينكر شيئاً، بل أشار إلى الحلاق، فجاء بإصبع حمراء فمس بها شفتيه كما تفعل فتيات السينما سواء بسواء، فلم أستطع المكث بعد هذا وقمت فجلت في السوق جولة. ثم عدت لما فارق الكرسي.
وما أدري بعد كيف أصفه؟ أأبدأ من رأسه أم من رجليه؟ أما رأسه فقد عرفت أي شيء