للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[على طريقة الصين أو أبى دلامة]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

قرأت في بعض ما كتب عن الصين الحديثة وحروبها الداخلية - قبل أن تغزوها اليابان - أنه كان يحدث أن يخرج القائد من القواد الصينيين لقتال غريمه فيلقى الجمعان ويصطف الجيشان ويبرز أحد القائدين، ويدعو خصمه فيخرج إليه ويقف بين العسكرين يتبارزان ولكن بالحجة والمنطق، ويتصاولان ولكن على الورق والخرائط، ويتجادلان في أي الخطتين كانت خليقة أن تجيء صاحبها بالنصر، حتى يقتنع أحدهما بأن الدائرة ستدور عليه لا محالة، فيعد نفسه مهزوماً، ويرتد بجيشه عن الساحة، وينصرف خصمه وقد رفع ألوية النصر

كذلك قال بعض الكتاب. وزعموا أيضاً أن هذا بعض ما أطمع اليابان في الصين وأوهمها أن قتالها أمر هين، وأن المنال قريب والغاية في حكم المدركة، فإذا بها تتورط في حرب لا تعرف لها منها مخرجاً ولا تتبين لها نهاية قريبة، بعد أربع سنوات طويلات دخلت في خلالها مئات من المدائن، واحتلت رقعة أوسع من نصف القارة الأوربية وما زالت الحرب - إذا اعتبرنا قوة المقاومة - كأنها في بدايتها

وليس من همي أن أقول شيئاً عن الصين، وإنما سقت هذا الخبر لأني ذكرت له مشبها له من أخبار أبى دلامة الشاعر الماجن الظريف فقد حكوا عنه - وحكى هو عن نفسه فيما يروون عنه - أن الخليفة - المنصور أو المهدي - غضب عليه لاعتكافه على الخمر، فأمر به فخرج في بحث حرب مع روح بن حاتم المهلبي لقتال الشراة. قال أبو دلامة: (فلما التقى الجمعان قلت لروح: أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لأثرت في عدوك اليوم أثراً ترتضيه) فضحك وقال: (والله لأدفعن ذلك إليك ولآخذنك بالوفاء بشرطك) ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إلى ودعا بغيرهما، فلما حصل ذلك زالت عني حلاوة الطمع فقلت له: (أيها الأمير هذا مقام العائذ بك) فقال: (دع عنك هذا) وبرز رجل من الخوارج يدعو إلى المبارزة فقال: (اخرج إليه يا أبا دلامة) فقلت: (أنشدك الله أيها الأمير في دمي) قال: (والله لتخرجن) قلت: (أيها الأمير فإنه أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، وأنا والله جائع ما شبعت مني جارحة من الجوع، فمر لي بشيء آكله ثم أخرج)

<<  <  ج:
ص:  >  >>