حين تلطّف صاحب العزة الدكتور طه بك حسين فأهدى إليّ نسخة من (دعاة الكروان) لم يفته أن يقول إنه سيعدي إليّ بعد أسابيع نسخة من (الحب الضائع)
وقد التفت ذهني إلى مدلول هذا القول، فمن عادة الدكتور طه أن يتظاهر بالتواضع، وأن يعلن أنه لا يعني ما يقول، وأن الناس لا يقبلون على مؤلفاته إلا متفضلين، فكيف حرص هذه المرة على التبشير بكتابه الجديد؟
وزرته بعد ذلك في مكتبة بوزارة المعارف لشأن من الشؤون التعليمية فأدركت من سياق كلامه أنه سيرسل إليّ كتابه الجديد يوم الخميس، فما هذا الكتاب الذي يحدثني عنه الدكتور طه مرتين قبل أن يظهر في أسواق الورّاقين؟
ثم جدّت شواغل صرفته وصرفتني عن التلافي نحو أسبوعين، فلم يُهد إليّ كتاب (الحب الضائع) إلا يوم أهديت إليه كتاب (ملامح المجتمع العراقي)، والجروحُ قِصاص!
كان من همي أن أعرف ماهيّة الكتاب الذي بشرني به الدكتور طه مرتين قبل أن يظهر في الأسواق، فكانت النتيجة أن أقرأ منه خمسين صفحة في الطريق، وأن أستأنف قراءته في العصرية لأفرغ منه قبل أن ينتصف الليل
فما جزاء المؤلف الذي يفرض علينا أن نقرأ نحو ٢٢٤ صفحة في يوم واحد؟
جزاؤه أن نسوق له الحمد والثناء بغير حساب، فما تسمح الظروف بأن نجد في كل يوم كتاباً يجذبنا إليه بهذا السحر الغريب.
وما (الحب الضائع)؟
هو كتابٌ يصوّر العواطف الطبيعية في الريف الفرنسي لعهد الحرب الماضية. والكتاب ليس بجديد، لا في الروح ولا في الأسلوب، فله أمثال تعدّ بالعشرات أو بالمئات، ومع هذا فلن يقول الفرنسيون حين يُترجَم إلى لغتهم (هذه بضاعتنا رُدّت إلينا) لأن طه حسين حين يقتبس لا يفوته أن يضفي ثوب الابتكار على الاقتباس.
والمهمّ هو تنبيه القراء إلى قيمة هذا الكتاب، فمن المؤكد أن فيهم من تغيب عنه مراميه