على وجهها الصحيح، وقد يكون فيهم من يتصور أنه كتابٌ في الحب، والحبُّ عند الغافلين عبثُ ومزاح!
هو كتابٌ في الحب، على نحو ما يتصور أديبنا العظيم طه حسين، والحبُّ عند من يكون في مثل حالته العقلية آصرةٌ معقّدة إلى أبعد الحدود، فهي تمسّ الآباء والأمهات قبل أن تمسّ البنين والبنات، وهي تقلقل المجتمع قلقة لا يعرف مداها غير المشغوفين بدراية أهواء العقول وأحلام القلوب
والمؤلف يُجري الحديث على لسان فتاة تؤرّخ حياتها من مساء إلى مساء، بعبارات فطرية قليلة التنميق والتهويل، وهو في أثناء ذلك يُنطق الفتاة بأقوال تفصّل من العُقد النفسية أشياء وأشياء
والمتأمل يرى في الكتاب دقائق يمسها المؤلف برفق، لأنه لا يريد أن يجعل فتاته كثيرة الأستقصاء، وإن زعمت لنفسها نية الاستقصاء، وهذه إحدى النواحي الطريفة في هذا الكتاب الطريف.
فالآنسة مادلين لم تلتفت إلى دفتر اليوميات إلا بعد عصرية قضتها مع صواحب ألِفن كتابة اليوميات، ومن هذا نعرف أن المؤلف يريد النص على أن النساء ينقلن عن النساء أكثر مما ينقلن عن الرجال
ثم نمضي مع صاحبة اليوميات فنعرف أنها تعيش بين أهل جعلت فواجعُ الحرب أيامهم بؤساً في بؤس، ومع هذا يحتال المؤلف فينطق الفتاة بكلمات نعرف منها أن للشباب أحلاماً تُنسي أصحابها فواجع الحرب، فقد رأينا مادلين تداعب خيال العيش المقبل من وقت إلى وقت، برغم ما يعاني أهِلها من متاعب وكروب
وكلام المؤلف في تصوير عواطف الأبوّة والأمومة عند الفرنسيين غاية في الصدق، وهو يسوق كلامه على قلم الفتاة بأسلوب حزين، يلائم الحياة في ذلك البيت الحزين.
والواقع أن (عاطفة السَّكن) قوية عند الدكتور طه إلى أبعد الحدود. والسكن هو الكلمة العربية التي تماثل الـ في اللغة الفرنسية، فهو حين يدور حول هذا المعنى يفصِّله أجمل تفصيل، وبلا تكلف ولا افتعال
ولم يكن يدٌّ من الحديث عن الوطنية الفرنسية لعهد الحرب الماضية، فهل ينشئ المؤلف