هذا اليوم هو الأربعون لمصرع الملك الشهيد غازي الأول. واليوم الأربعون هو في عرف الناس أو الناسين آخر الخطوات في تشييع الحي للميت! فهل آن للجوانح الحرار أن تبرد على سلوان ابن فيصل ونسيان أبي فيصل؟! كل حي إلى حين؛ وكل ذكرى إلى نسيان؛ وكل أثر إلى طُموس؛ ولكن أمثال غازي من ملوك الأرض وشباب الملوك وأزيان الشباب هم ملء السمع والبصر والقلب والتاريخ، فلا يملك الدهر أن يمحو ما لهم في صحيفة الخلود من ذكر وأثر. وإذا استحال على الزمن أن ينسى دولة العراق، استحال على العراق أن ينسى أسرة فيصل. لأن أسرة فيصل هي الأساس المكين لبنيان العراق الحديث: قام على جهادها استقلاله، وورفت على رِيّ دمائها ظلاله، وسارت على نور هداها نهضته.
كان الملك فيصل الأول برد الله بالرحمة ثراه، مثال الرجولة العليا التي يتيحها القدر المديل لإحداث ثورة وإنشاء دولة وإقامة عرش. وكان هو وصحبه البهاليل من أبطال الثورة العربية رموز الحيوية الثائرة والخبرة القادرة والإرادة الحكيمة. جاهدوا حتى تحرر الوطن، ونادوا حتى استيقظ المجد، وأسسوا حتى بني الشباب. ثم قضى وقضوا شهداء في سبيل العراق الخالد، ولا تزال أرواحهم الطاهرة تشرق في جوه، ودماؤهم الزكية تعبق في صعيده.
وكان الملك غازي الأول سقى الله بالرضوان ضريحه، قائد الجيل الذي نشأ معه على قوادم الصقر القرشي الجبار؛ فكان من طبعه الموروث - مهما أبطأ نمو الريش أو أرعد عليه الأفق - أن يرتفع بشعبه الطموح الناهض. وكان بشبابه الفتيان الواعد عنوان الأمل المعقود على فتوة العروبة في توثيق العقدة وتحقيق الوحدة، ثم كان بأريحيته العربية وسماحته الهاشمية نموذج الحكم الرضيِّ الرفيق الذي تسود في عهده الشورى، ويخصب في ظله الفكر، وتعز في كنفه الديمقراطية. فلما صرعه القدر هذه الصرعة القاسية ارفضَّ لهولها صبر الشباب والكهول من العرب، لأنه كان في رأي هؤلاء سر الماضي وذكرى يقظته، وكان في نظر أولئك رجاء المستقبل وروح نهضته.
نعم كان فيصل الرجل، وكان غازي الشباب! وما آلم الإخبارَ بالكون الناقص عن الكون