للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كتاب جديد لتوماس مان:]

(دكتور فاوستس)

للأستاذ عمر حليق

هذا الإنتاج الفني الرائع لأمير البلاغة الألمانية مقالة عن الحضارة الألمانية المعاصرة كتبها عقل يمثل هذه الحضارة خير تمثيل ويستوحي فيها ألواناً من التحليل الفلسفي العميق لمناحي العظمة والضعف في العقلية الألمانية والخلق الألماني.

وأكبر الظن أن الشعب الألماني لن يقرا هذا الكتاب، ولن يتأثر به كما يريده مان أن يتأثر. فهؤلاء التيوتونيون الذين يملكون القول الفصل في حضارة أوروبا وسلام أوروبا وعظمة أوروبا مشغولون الآن بالجوع والحرمان والبلبلة السياسية والفكرية والسعي لإزالة هذا الحطام الذي تركته قنابل الأنجلوسكسون وجحافل الروس في أزقة المدن وحقول الأرياف، وفي الأنفس البشرية التي تحطمت معنوياتها في موجات متلاصقة من زوابع سياسية تعصف بهم تارة من موسكو وطوراً من العلم الجديد.

فكتاب مان الجديد أسطورة في تاريخ الأخلاق الألمانية وسجل لهذا الوضع المحزن الذي يكتنف الألمان من كل جهة فيسد عليهم منافذ الفكر والإبداع الفني مؤقتاً على الأقل.

وأكبر الظن كذلك أن الشعب الألماني لن ينتفع بالكتاب لأن مؤلفه اختار الوطن الأمريكي مقراً، وكان قد أستقر به في أوائل النازية لاختلافه معها على حدود الدولة في حرية الفرد وتفكيره وما يؤمن به ويدعو إليه من مبادئ، وما يفسر به شؤون العقل والحياة مما لا يجد في الفلسفة النازية مكاناً. وإذا صلح الحكم المطلق لتنظيم الفوضى السياسية والتفكك الاقتصادي في فترة من حياة أمة فإنه لا ينبغي مطلقاً أن يقيد الفكر كما يقيد الإنتاج الصناعي، ويحدد كما يحدد اتجاهات السياسة.

وفوق ذلك فإن توماس مان ظنين الولاء لوطنه. كان المعجبون بعبقريته (وألمانيته) ينتظرونه ليعود فيشارك هذا الشعب النشيط مسئوليته الجسيمة في فترة عويصة يحتاج فيها إلى رسالته الفنية كما تحتاج إلى رسالة (شاخت) الاقتصادية، ولكن مان - ولعله بتأثير زوجته اليهودية - لم يعد لألمانيا بعد، ويبدو أنه لن يعود، وهو يقطن الآن على بعد دقائق من هوليود مدينة السينما.

<<  <  ج:
ص:  >  >>