للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في الأدب الشرقي]

الأدب الفارسي والأدب العربي

للدكتور عبد الوهاب عزام

الأستاذ بكلية الآداب

- ١ -

أمة ذات حضارة فاتت التاريخ أوليتها، ونظم أمرتها الحقب الطويلة يقوم عليها ملوك مسلطون رفعوا إلى مستوى فوق البشر أقدامهم، وأقر لهم بهذا رعاياهم، وقد طار صيتهم في الآفاق فملأ جيرانهم رهبة وإكبارا. أمة ذات دين نصر الملوك ونصروه فاشتد قوامه على كل مخالف وارهبوا كل متبوع. نزلت هذه الأمة أرضا وسطا بين مهد الآريين والساميين يجاورها في الغرب بابل وأشور، ويصاقبها في الشرق الهند. ثم يتصل بها من الشمال والشمال الشرقي الترك والصين. فاض بها سلطانها حتى غزت اليونان في عقر دارهم، وغزت كثيرا من أوربا الشرقية الجنوبية. وملكت الشام وفلسطين ومصر. وكانت الحرب من بعد سجالا بينها وبين الروم. كانت بلادها طريقا للتجارة بين الشرق والغرب. وموصلا بين حضارتيهما. وكانت موئلا للفلسفة اليونانية. وملجأ للعائذين من فلاسفة اليونان. تلكم أمة الفرس التي يقول فيها مهيار:

قومي استولوا على الدهر فتى ... ومشوا فوق رءوس الحقب!

عمموا بالشمس هاماتهم ... وبنوا أبياتهم بالشهب!

وأخرى من الأمم عريقة في البداوة وأبية على كل عسف، حديثة عهد بالخضوع حتى لسلطان الله، أنضجتها البداوة فإذا هي قوية نشيطة ذكية متوقدة، وأورثتها معيشتها وحروبها ضروبا من العزة والشجاعة والفروسية والصبر على المكاره، والقناعة بالقليل، وجمع كلمتها وأنار قلوبها الدين، وتلكم هي أمة العرب.

- ٢ -

بينما كان الإسلام يجمع شمل العرب كان الفرس مسيطرين على عرب الحيرة يتخذونهم عوناً على الأعراب، وعلى الرومان (كما كان الرومان يستعينون بالغساسنة في الشام)

<<  <  ج:
ص:  >  >>