وكان الفرس كذلك مسيطرين في اليمن والبحرين. وقد أعظم العرب شأنهم فهابوهم وسموهم الأسد، وسموا قبائل ربيعة التي كانت تجاور الفرس وتأبى عليهم أحياناً (ربيعة الأسد من أجل ذلك) وعرفوا من أخبارهم وعاداتهم ما جعلوه مضرب المثل، وعرفوا كذلك دينهم حتى يقال أن من بني تميم من كان يعبد النار. وفي ذكر القرآن للمجوس كثيراً دلالة على هذا.
فلما استقام للعرب أمرهم خلص اليمن بغير عناء وأسلم الفرس هناك، حتى قاتلوا مع المسلمين الأسود العنسي المتنبىء، وكذلك أجلى عامل كسرى على البحرين أيام أبي بكر، وأسلم هناك من أسلم ودفع الجزية من بقي على دينه. ثم تمادى بالمسلمين الفتح فإذا هم يقاتلون في جهات العراق عرباً وفرساً قد تخالطوا حتى لم يتميز بعضهم من بعض وحتى كان العرب يداً مع الفرس على العرب إبان الفتح، فخالد بن الوليد يقول لأهل الحيرة: أعرب أنتم فما تنقمون من العرب؟ فيحتجون لعربيتهم بأنهم ليس لهم لسان غير العربية. تغلغل المسلمون في فتح بعد آخر، صلحاً وحرباً فإذا هم ينازلون الأكاسرة أنفسهم، وأيقن الفرس أن الأمر جد لا هزل، وكان قد اجتمع أمرهم بعد الفرقة ليزدجر السادس فساقوا على العرب جيشا حشدوا فيه من عدد الحرب وجندها ما لا عهد للعرب به، ولم يكن بد للعرب من المقاومة فاستنجدوا الخليفة عمر فأهمته حرب فارس، وندب الناس إليها فتثاقلوا إعظاما لأمر الفرس واستفز عمر العصبية العربية؛ ورضى أن يدعى إلى الحرب مسلمهم وغير مسلمهم. وقد اهتم الفرس بأمر القادسية أيما اهتمام، وارتقب العرب عقباها من العذيب إلى عدن أبين ومن الأبلة إلى ابلة، كما يقول الطبري.
وكانت القادسية أول موقعة عظيمة حشد لها الجمعان ما استطاعوا، ولكنها لم تكن أعظم الوقائع ولا آخرتها فموقعة نهاوند التي سماها العرب فتح الفتوح، وهي آخر الوقائع العظيمة، كانت بعد القادسية بسبع سنين، وبينهما وقائع، وكان ملك الفرس يزدجرد، لا يزال يكر على العرب في الحين بعد الحين، ويستمد الترك وقد تعقبه العرب إلى أقصى الشرق، واستمر على ذلك حتى سنة ٣١. سبعة عشر عاما بعد القادسية فبينا يتهيأ لصلح العرب على بعض الأقاليم قتله بعض اتباعه كما قتل دارا من قبل بينما يتعقبه الاسكندر المقدوني. وبذلك تم للعرب الاستيلاء على فارس رغم الثورات التي كانت تظهر في الحين