للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد الحين إلا جهات في طبرستان وجيلان لم تفتح إلا بعد قرنين وبقى بعد ذلك أمراء في جهات نائية قرونا طويلة.

- ٣ -

فتح العرب الأقطار باسم الدين فلم يكن الا أن يسلم الفارسي فإذا هو واحد من المسلمين الفاتحين، ثم كان حكمهم على رغم مصائب الحروب وفظائعها عدلا لا عنف فيه. وكان في الفرس على هذا من وجدوا في الفتح الإسلامي مخلصا من اضطهاد ديني، فقد كانت الزردشتية شديدة على من شذّ عنها، أو وسيلة إلى جاه.

فالديلم من جند الفرس انحازوا للمسلمين (بعد القادسية وأسلموا) وعاونوا في واقعة جلولاء، ثم استوطنوا الكوفة. ونجد من الفرس مثل (أبي الفرخان) الذي عاون العرب في فتح الري فولي عليها. ونجد مرزبان مرو يخذل يزدجرد ويرسل أمواله بعد أن قتل إلى أمير العرب هناك.

وقد أعطى العرب الفرس الذين قاتلوا معهم حظهم من الغنائم وفرض عمر في العطاء لمثل المرزبان في المدينة وأحسن العرب إلى الفلاحين الذين لم يقاتلوا. ويقول الطبري (عن أهل فارس) وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمن الأكاسرة فكانوا كأنما هم في ملكهم الا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم فاغتبطوا وغبطوا. وقد بقى الفرس أحراراً في دينهم وبقيت معابد النار في الجهات كلها ولا سيما في فارس. فقد حكى المؤرخون كالاصطخري وابن حوقل أنه لا توجد قرية في فارس بغير معبد للنار، وان جمهور أهلها من عبدة النار وانهم في شيراز لا يمتازون من المسلمين في مظاهرهم وكانت معابد النار تحمى ويعاقب مخربوها.

وإنما تناقص عدد الزردشتيين بدخول كثير منهم في الإسلام، وقد دخلوا فيه أفواجا حتى شكا عامل خراسان إلى عمر بن عبد العزيز قلة الجزية فأرسل إليه أن الله بعث محمداً صلعم هاديا ولم يبعثه جابيا. على أنهم بقوا كثيرين إلى عصر قريب. ويقول أن كرمان حين حاصرها محمد خان قاجار كان فيها ١٢ ألف أسرة زردشتية.

إنما أفيض في هذا لأبين أن العرب والفرس بعد الفتح لم يكونوا في نضال مستمر. وان العرب لم يستعبدوا الفرس كما يحسب بعض الناس. لم يفعل العرب الا أن حطموا الحدود

<<  <  ج:
ص:  >  >>