الوطنية فشاركوا الفرس في جماعة أوسع. ونالوا من العلوم والآداب التي تعاونت عليها الأمم الإسلامية، ونالوا عليا المناصب. فالبرامكة مثلا كانوا يدبرون للعباسيين ملكا أعظم وأوسع مما كان يديره بزرجمهر لانوشروان.
- ٤ -
الآداب الفارسية الحديثة تؤرخ من القرن الرابع الهجري (تقريباً) - كما يأتي - فماذا أصاب اللغة الفارسية في ثلاثة القرون التي تلت الفتح الإسلامي؟ وماذا أصاب الفرس في هذه القرون؟
في إجابة هذين السؤالين يجب أن نفرق تفريقاً تاماً بين الكلام على الفرس، والكلام على اللغة الفارسية.
فأما اللغة الفارسية فالكلام عنها من جهتين: من حيث أنها لغة تخاطب ومن حيث أنها لغة العلم والأدب. فأما من الوجهة العلمية فقد وقفت اللغة وقفة طويلة، ولم يؤلف فيها إلا كتب قليلة معظمها في الدين، ويمكن أن يقال أنها عقمت تماماً بعد قرنين من ظهور الإسلام، فالكتب التي ألفت في العصر الإسلامي وبقيت على الزمن لا تتجاوز عصر المأمون، وهي كتب دينية قليلة أراد بها الزردشتيون الدفاع عن دينهم والإبقاء عليه. ولكن كان للغة الفهلوية عمل أعظم من هذا أبقى أثراً هو حفظها آداب الساسانيين وتاريخهم في كتبها لتكون مصدرا للترجمة إلى اللغة العربية، ولتكون من بعد أساساً للآداب الفارسية الحديثة. فقد بذل رجال الدين أو الموابذة وملاك الأراضي أي الدهاقين جهدهم في حفظ كتبهم، وكان الساسانيون من قبل ذوي عناية بالكتب وحفظها. ويمتاز إقليمان في إيران بأن كانا موئل الآثار الفارسية: فارس وخراسان (كما امتازت طبرستان بوعورة أرضها وكثرة غاباتها فبقى فيها استقلال الفرس مدة طويلة) فأما خراسان فكانت مبعث الشعر الفارسي الحديث، وأما فارس مهد الدول الفارسية القديمة فقد لاذ بجبالها جماعات من الزردشتيين، فعكفوا على درس آدابهم القديمة وحفظ كتبها. فحصن شيز في جهة أرجان كان مسكن مجوس خبراء بإيران وتاريخها. وكان به صور الملوك والعظماء وتاريخهم، هكذا يقول الاصطخري وابن حوقل، ويؤيد هذا ما يقوله المسعودي: أنه رأى في اصطخر عند أسرة فارسية كبيرة كتاب الملوك يتضمن صور الملوك وأزمتهم ووصف آثارهم. ويتصل بهذا ما