كان ذلك اليوم من أيام الشتاء المشرقة. . . والصقيع ينقصف في حدة، وقد كسا الجليد اللجيني خصلات شعر نادنكا المتهدلة على جبينها وحافة شفتها العليا.
وكانت ممسكة بذراعي ونحن واقفان على تل مرتفع، وقد امتد تحتنا المنحدر الأملس، تنعكس عليه أشعة الشمس كما لو أنه مرآة، وبجوارنا زاحفة مغطاة بقماش أحمر براق.
وقلت لها راجياً (فلننزلق يا نادبزدا بتروفنا! مرة واحدة فحسب! أؤكد لك أنك ستكونين بخير ولن تصابي بسوء).
بيد أن نادنكا ظلت مرتاعة، فقد كان يبدو لها المنحدر من موقع قدميها حتى سفح التل الثلجي وكأنه هوة مهولة عميقة الغور. وخانتها شجاعتها، وبهرت أنفاسها كلما حدقت إلى أسفل، في الوقت الذي كنت أقترح عليها مجرد ركوبها الزاحفة. إذن ماذا يكون حالها إذا ما جازفت بالاندفاع إلى الهاوية؟ فلعلها تهلك أو لربما تفقد وعيها.
وقلت (أرجوك! لا تخافي! إنها شجاعة واهنة منك! أنه خور وضعف!)
وأخيراً أذعنت دونكا. . ولاحظت من ملامحها أنها قد رضخت وهي في حالة من الخوف المميت. وأجلستها على الزاحفة شاحبة مرتجفة، وأحطتها بذراعي. ثم دفعت بي وبها إلى أسفل الهاوية.
واندفعت الزاحفة وكأنها القذيفة. ولطم الهواء وجهينا مزجراً، وهدر في آذاننا يتمزق حولنا، ويقرصنا غاضباً في قسوة، محاولاً أن ينتزع رأسينا من أكتافنا. وتعذر علينا التنفس من ضغط الريح.
كان يبدو كما لو أن الشيطان ذاته قد أمسكنا بمخالبه، يسحبنا إلى الجحيم في هدير. واستحال كل ما يحيط بنا خطاً واحداً متماسكاً ممتداً يسابقنا سباقاً هائلاً. . . وخيل إلينا في لحظة كما لو أننا في طريق الردى.