وبعدها - رأيت في أحد الآصال حافظاً يقبل على جماعة من أولئك الميامين ثم ينشدهم قصيدة من قصائده الغر يخاطب فيها العميد البريطاني وأذكر من أبياتها الأولى:
بنات الشعر بالنفحات جودي ... فهذا يوم شاعرك المجيد
أطلي وأسفري ودعيه يحى ... بما توحين أيام الرشيد
إلى من نشتكي عنت الليالي ... إلى العباس أم عبد الحميد
ثم يتطرق إلى مخاطبة العميد فيقول:
إذا اشتد الصياح فلا تلمنا ... فإن القوم في جهد جهيد
وعندما لمع هذا البيت بدت عليه علامات الكآبة فقيل له علام أنت مكتئب يا حافظ؟ فقال والله إني غير راض عن هذا اللفظ (اشتد) فإنه لفظ سقيم. وقد حاولت عبثاً أن أجد لفظاً آخر أفضل منه فلم أوفق، فأخذ كل من الحاضرين يبحث عن اللفظ المناسب ومرت دقائق والجميع واجمون حتى اندفع الشيخ عبد الحميد الزهراوي الذي كان في ذلك العهد محرراً في (الجريدة) التي كان يتولى رئاسة تحريرها الفيلسوف أحمد باشا لطفي السيد وقال لحافظ قل (إذا أعلو لي الصياح فلا تلمنا) فتهلل محيا حافظ وقال لعبد الحميد لله درك يا عبد الحميد! والله إن هذا هو اللفظ الذي ما فتئت أبحث عنه فلم أعثر عليه، وتقدم إلى الشيخ وقبله. رحم الله أولئك الأبطال!