للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من حقيبة البريد]

للأستاذ عباس محمود العقاد

في حقيبة البريد - هذا الأسبوع - شيء عن عمر، وشيء عن الفن الجميل.

أما الشيء الذي عن عمر فقد أخذت لما فيه من سوء الفهم وسوء الأدب، ولو شئت لأظنه ولم أنظر فيه، ولكن دواعي الأخذ ترجع إلى من كتبه لا إلى من كتب إليه، وقد يكون من عذر السن لمن كتبه أن ننظر في علته، عسى أن يكون فيها ما يعالج وما ينفع فيه العلاج.

والعلة الكبرى أن تنطوي نفوس ناشئة على هذه الحالة التي تتصيد أسباب الاستياء والإساءة، وهي قادرة على أن تصحح شعورها لو كان بعديها هذا التصحيح، لأن الأمر لا يحتاج منها إلى أكثر من الفهم البسيط، والفهم المستقيم.

ففي رسالة من طالبات في بعض المدارس الثانوية يسأل الكاتبات: كيف نثبت أن ديننا يحل الرشى؟ هل نأتي بآية من كتابنا تدل على أننا نحلها؟

وقد أشار الكاتبات إلى ما جاء في الصفحة ال (١٤٢) من عبقرية عمر عن رأيه في استخدام بعض الذميين من أبناء عصره وهو بنصه: (إنه لا يعدو لا النهي عن استخدام بعض الذميين). ثم عللنا ذلك تعليلاً واضحاً لا لبس فيه، لأنه خطة سياسية تجري عليها جميع الدول في جميع الأزمان مع جميع الغرباء ولو كانوا من ديانة واحدة، فقلنا: (ما نظن أحداً ينكر أن استخدام الغرباء عن الدولة خليق أن يحاط بمثل هذا الحذر وأن تجتنب فيه مثل هذه الآفة؛ إذ يكثر بين المرتزقة الذين يخدمون دولة من الدول - وهم غرباء عنها كارهون لمجدها وسلطانها - أن ينظروا إلى منفعتهم قبل أن ينظروا إلى منفعتها، وأن يساوموا على نفوذهم قبل أن يستحضروا الغيرة على سمعتها والرغبة في خيرها وخير أهلها، ولاسيما في زمن كانت الدول تميز فيه بالعقائد قبل ان تميز بالأوطان، وما من أمة في عهدنا هذا تبيح الوظائف العامة إلا بقيود وفروق تتفق عليها: أولها تحريمها على الأجانب ما لم تكن في استخدامهم منفعة عامة. . .)

وقد كان عمر ينظر إلى أناس معينين من طلاب الوظائف في ذلك الحين، وهم موظفو الدولة البيزنطية في أواخر أيامها، وكانت وظائفها يومئذ مضرب المثل في الرشوة والفساد وسوء الإدارة، فليس على الوالي الأمين من حرج أن يستريب بخدمتهم في الدولة الجديدة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>