وقد كانوا في دولتهم التي يدينون بالولاء لها يستبيحون الرشوة والانتفاع على حساب الدولة والرعية.
وفي عصرنا الحديث تحرم الحكومات استخدام الأجانب - لو كانوا من ذوي الاستقامة - إذا كانت حكومتهم في موقف كموقف عمر من الدولة البيزنطية، فلا تسمح الحكومة الإنجليزية مثلاً باستخدام الألمان في أبان الأزمات السياسية، ولا فرق بين الإنجليز والألمان في الأصل والدين، بل لا فرق بينهم في مذهب الكنيسة في بعض الأحيان.
وقد صنع عمر مثل هذا مع أجلاء الصحابة حين خامره الشك في إقبالهم على الدنيا، وصنع من قبله أبو بكر الصديق حين أوصاه في مرض وفاته فحذره:(هؤلاء النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قد انتفخت أجوافهم وطمحت أبصارهم وأحب كل امرئ منهم لنفسه). . . فلما خلفه عمر كان الصحابي من هؤلاء يسأله السفر فيقول له:(إن خيراً لك ألا ترى الدنيا وألا تراك) ص٢٦٣.
فلا شأن لأديان الذميين بما صنعه عمر. وإنما هو حكم عام كان رضي الله عنه يلتزمه مع كل طالب وظيفة، ولو كان من أجلاء الصحابة المعدودين.
وليس عمر بالذي يقول السوء عن أوامر السيد المسيح ونواهيه فإنه يتعلم من القرآن الكريم أن المسيح روح الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بوحي من الله.
أما الكاتب الذي ألف (عبقرية عمر) فهو الكاتب الذي قال في كتابه عن الله وهو يذكر السيد المسيح: لقد (كانت بشارته أعظم فتح في عالم الروح. لأنها نقلت العبادة من المظاهر والمراسم إلى الحقائق الأبدية، أو نقلتها من عالم الحس إلى عالم الضمير. ولم يشهد التاريخ قبل السيد المسيح رسولا رفع الضمير الإنساني كما رفعته، ورد إليه العقيدة كلها كما ردها إليه. فقد جعله كفوءاً للعالم بأسره بل يزيد عليه. لأن من ربح العالم وخسر ضميره فهو الخاسر في هذه الصفقة الخاسرة. وماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟. . . إن الطهر كل الطهر في نقاء الضمير. فمناط الخير كله فيه، ومرجع اليقين كله إليه. فليس شيء من خارج الإنسان يدنسه. بل ما يخرج من الإنسان هو الذي يدنس الإنسان. وهناك حياته وبقاؤه، فليس حياته من أمواله) الخ الخ ص ١٤٧