للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

عزاء. . .!

للأستاذ لبيب السعيد

قطع الشك اليقين. إن سكوت أبيه هو سكوت الموت. لقد مات ككل الذين ماتوا من الأهل والجيران والمعارف، وإلا فما هذا الصراخ في البيت، ولم النحيب، ولم احتشاد هؤلاء الأقارب والقريبات وقد أقبلوا من الليل على غير عادة؛ ولأية مناسبة يقيم الفراشون سرادقا، وفيم قول الناس: تجلد. . البقية في حياتك! بل - وما أشد وما أعظم كيف يتحدث إليه شيوخ الآسرة كالمستشيرين في أمور فاجعة: الكفن والمغسلين والمقبرة والمقرئين. .، وكيف طلعت صحف النهار حاشرة اسم أبيه في زمرة الموتى، وكيف ترد عليه البرقيات بالعزاء من شتى الجهات؟

الأمر إذن لاريب فيه. وأخواته إذ تنفرد كل منهن الآن في حجرة باكية ولهى، إنما يبكين أباهن الذي انتاشه الموت منهن فجأة، والذي يدركن على غرارة صباهن أنهن بعده ولا رجاء لهن ولا جناح يرف عليهن أصبحن بذل اليتيمات. وأخوته وهم لم يتخطوا بعد سن اليفاعة إذ يلبسون الأربطة السوداء ويذيلون الدموع في حزن أخرس تارة وحزن ثائر تارة، ويسيرون مترنحين يتحاملون على أنفسهم، إنما يقع لهم هذا لأن الدهر الضرار بت آمالهم ورابهم في أبيهم. وأمه إذ تذرع البيت ذاهلة حيرى مولهة إنما تفعل لأن مصابها فيمن هو من هولها ولبناتها وبنيها، سلبها سكينتها وهد أعصابها هدا.

وانفجر (فؤاد) يبكي، لقد كان عليه - فيما يحس - أن يبكي لأمه وأخواته وأخوته، وأن يحزن ويخاف لا بقلب واحد ولكمن بثمانية قلوب.

وسار خلف نعش أبيه فياض الشؤون يعض على شفتيه كالمتصبر، أو يفتحهما عن ابتسامة هستيرية مزعجة، ويسكت فترة لينطق بكلمات مضطربة فترة أخرى.

وأوقفوه في الليل عند باب السرادق يتلقى العزاء مع كبار الأسرة، فكان يتلقى ألفاظ المواساة بوجوم صامت أليم. كانت هذه الألفاظ لا تكاد تفتق سمعه، كانت تسبح لديه، وكان أقواها وأفصحها أعجز من أن يشفى داءه الثائر أو يداوي جرحه الغائر. وانفض المعزون وانفض (فؤاد) إلى نفسه. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>