كان لحديث لقائنا الأول بقية ضاق عن تسجيلها الوقت في صفحة الأمس فأنا أسجلها ملخصة في صفحة اليوم.
قلت للآنسة (س) بعد أن قصت علي مغامرتها الحمقاء بخروجها من العزبة شريدة، وسفرها إلى القاهرة فريدة: إن حكايتك في تحررك من أخيك أشبه بحكاية العنزة (بلانكيت) في تحررها من سيدها (سيجان)
قالت وما خبر هذه العنزة؟ قلت: خلاصة خبرها فيما زعم (دودية) أنها كانت عنزة جميلة الشكل خفيفة الظل ذات قرنين مفوفين، وعينين كحلاوين، وشعر أبيض ناصع، وظلف أسود لامع؛ وأنها كانت تعيش في حظيرة مولاها عيش الرافهين الأغرار، تنزو وتلعب في حبلها الطويل، وتأكل وتشرب في مذودها الحافل. وفي ذات يوم أطلت من النافذة فأبصرت الجبل يوشيه الزهر، والسهل يغشيه النبات، فقالت لنفسها: يا لله! ما أجمل الحياة هناك! وما أسعد من ترتع في تلك المروج طليقة من هذا الحبل! ما للمعز وللحظائر والقيود؟ إنها بالحمير والبقر أخلق. ومنذ تلك الساعة غرضت العنزة من المكان، وبرمت بالقيد، وعزفت عن الطعام، حتى هزل بدنها وشح لبنها. وكان السيد سيجان كلما دخل عليها الحظيرة وجدها جاثمة على الأرض أمام الباب، تنظر نظر المشوقة، وتثغو ثغاء الولهى! فأدرك آخر الأمر أن بها شيئاً تخفيه، فسألها: ماذا بك يا بلانكيت؟ لعل حبلك قصير فأطيله، أو علفك قليل فأزيده! فقالت العنزة مغضية في غير اكتراث: أرح نفسك يا سيد سيجان، فليس ما أشكوه قصر الحبل ولا قلة العلف.