كتاب تاريخي لعلم من الأعلام الخفاقة في الإسلام. . الزعيم العتيد أبو عبيدة بن الجراح، ولا شك أنه شخصية عزيزة على الإسلام أثيرة عند المسلمين كان لها يد ناصعة في رفعة الإسلام وسيف بارق في فتح البلاد التي غزاها. . . كان أبو عبيدة رجلا كاملا تجتمع فيه الصفات النبيلة كلها فلا يزهبه هذا بل يزيده تواضعاً إلى ربه وخشوعاً. . كان يخاف المديح ويتحاشاه وهو الذي هزأ بالموت وتحداه حتى غلب على أمره. ولم يكن هذا صادراً إلا عن النفسية الإسلامية التي لا تنتظر الجزاء عند الناس بل ونظره وفؤاده إلى الله وحده يرنوان، فتراه حين يتفشى الطاعون في قومه المحاربين بالقدس يأبى أن يعود إلى المدينة، ويرسل إليه عمر ويسر لعاطفة الأمير النبيلة لكنه يخالف الأمر لأول مرة في حياته
ونراه قبل ذلك وهو يستقبل عمر على أبواب القدس، ويعرف عمر بالمرض المنتشر في المدينة فيفكر في الرجوع فيقوم أبو عبيدة في وجهه صارخاً (أفرار من قدَر الله يا عمر! فيجيبه الفروق في تأثر وخشوع: أجل! فرار من قدر الله إلى قدر الله) ويظل النقاش دائراً حتى يأتي عثمان فيدلى بحديث عن النبي (ص) فينحسم النقاش ويرجع عمر أدراجه، ويدخل أبو عبيدة القدس عارفاً بما ينتظره هناك فيتلقاه في رهبة أبي عبيدة وثباته. . . ويجزع أن يجد الخير قد كثر والرزق قد اتسع عليه فيوزع ما لديه حتى لا يصبح عنده إلا ما يمنع العوز ويكفي السؤال. وهكذا عاش أبو عبيدة، وهكذا مات، يضرب الأمثال حيا وحين يموت فإذا هي خالدة تشرئب لذكرها أعناق المسلمين وترتفع بها هاماتهم مفاخرة مدلة بقواد الإسلام وأعلامه.
ولا يسعنا إلا نشكر للأستاذ طه سرور مجهوده القيم، ولكن يبدو أن المصادر كانت قليلة بين يديه فدعاه ذلك إلى الكتابة بأسلوب إنشائي بعض الشيء سبك به القصص التي رواها ولكنه لم يروعن تاريخ حياته ما يروى غلة القارئ، هذا شئ كنا أحوج إليه من الأقاصيص. . . كما أن الأستاذ طه عمد إلى الإنشاء أيضا في التحليل الذي كان يستخلصه من الأقصوصة، وهذا شئ نأخذه عليه؛ لأن التحليل في القصص إنما يكون لرسم الخطوط الرئيسية في الشخصية حتى تخرج من آخر كل أقصوصة بخط جديد، وهذا لا يحتاج إلى