(من الحق أن ننعت الإنجليز بأنهم مثاليون في بلادهم، مثاليون
في قيم النزاهة، ومعايير الخلق وموازين الإنسانية والضمير.
. .
ومن الحق أيضاً أن ننعتهم بأنهم مثاليون في غير بلادهم ما مثاليون في الأنانية والجشع، وضعة الضمير والخلق، وانتفاء العدالة والإنصاف. . .)
أنور المعداوي
لعل الإنجليز أكثر شعوب الأرض أنانية وحب نفس؛ والمثل العليا والمبادئ الإنسانية وصوت الضمير ليست إلا ألفاظاً جوفاء، لا وجود لمعانيها في معاجمهم حينما تتعارض مع أنانيتهم ومصالحهم. والإنجليزي مغرق في برودة الطبع والحس والضمير، لا يعرف عدواً أو صديقاً، إنما يجري وراء رغيف الخبز كما يجري الكلب الجائع وراء من يحمل الخبز كائناً من كان.
ولعل أكثر الناس إحساساً بهذه المعاني ذلك النفر من الشباب العربي الذي تعلم في معاهد الإنجليز - ولا ندري أكان ذلك لسوء حظهم، أن لسوء حظ الإنجليز - ورآهم في صور مزيفة من المثل العليا والديمقراطية الكاذبة في بلادهم. أن هذا النفر من الشباب الذين تتلمذوا على الإنجليز وتثقفوا بثقافتهم لا يؤمنون بديمقراطية الإنجليز ومثلهم العليا. إنهم على النقيض من ذلك يرونهم محرومين من هذه المعاني حتى في بلادهم. هنالك الحواجز الفولاذية بين الطبقات في المجتمع: سيد وعبد، نبيل وخادم، تعليم محتكر لطبقة الحاكمين وتعليم لطبقة المحكومين. والقسوة والغطرسة والظلم ليست إلا صورة ثابتة لا تتغير في أخلاق الإنجليز في تاريخهم الحافل بالسيرة الحسنة في أيرلندة والهند والسودان ومصر وفلسطين، وفي كل مكان عاقب الله الناس بوجودهم فيه. أسمعت من التاريخ، بالفندال والهون والبرابرة الذين عاثوا بالحضارة الإنسانية فدمروها في مطلع التاريخ الوسط وطمسوا معالمها؟ إنهم لا يزالون يعبثون بكل ما فيهم من قسوة وبربرية وهمجية في جلود الإنجليز. ثار الأيرلنديون على الظلم زمن حكم الملكة اليصابات إبنة هنري الثامن فأرسلت