إليهم جيشاً لإخماد الثورة، وحينما وصل إلى مسمعها الفظاعة التي تقشعر من هولها الأبدان والتي اقترفها الجيش مع الأيرلنديين بكت تلك الملكة وقالت كلمتها الخالدة:(حسبت أنني أرسلت إلى أيرلندا مخلوقات يتحرك فيها الشعور الإنساني، ولم يدر بخلدي أن الإنجليز ذئاب مفترسة جائعة لها جلود بني الإنسان). وذلك (ورن هاستنج) حاكم الهند العام الذي كان يؤجر الجيش البريطاني للفتك بالناس وتدمير حياتهم وإشاعة الذعر والهلع بينهم، وان كانوا أصدقاء للإنجليز!
لقد عاش كاتب هذه السطور بين الإنجليز في بلادهم، وخارج بلادهم فعرفهم حق المعرفة، ورأى وسمع واختبر وخرج من كل ذلك برأي صائب ونتيجة صحيحة، ذلك أن الإنجليز هم الإنجليز في بلادهم وخارج بلادهم. فالذهب لا يكون ذهبا في مكان ما ثم إذا انتقل إلى مكان آخر اصبح حديداً. هذه خرافة أثارتها الدعاية الإنجليزية لتستر خزيها ولؤمها وإجرامها في بقاع الدنيا، وإذا استمعت إلى الإنجليز في بلادهم وسألتهم الرأي الصحيح في (انهم مثاليون في قيم النزاهة ومعايير الخلق، وموازين الإنسانية، والضمير. . .) لشكوا في ذلك كثيراً، ولحسبوا أن غيرهم المقصود بهذه النعوت.
والإنجليزي إنسان شرس، متوحش الطبع، وقد زيف ظاهره ببرودة مصطنعة وتباله مقصود، يخيل لمن يراه أنه قديس من القديسين. وهو في بلاده مخلوق تافه حقير، وخارج بلاده إله يجلس على قمم الألب يحرم ويعطي، يرفع ويخفض، يذل ويعز. وهو في الحالتين المخلوق الذي يحمل بين جنبيه قلباً من الصوان ونفساً متعطشة للدماء.
ويحدثنا علم النفس أن الحياة لا تجمع بين قويين، فإذا كنت قويا بدا لك ذلك الإنجليزي هزيلاً حقيراً ذليلاً، وإذا ظهرت أمامه بالضعف - فالويل لك - انه يتغلب عليك في طرفة عين وكأنه وحش مفترس ينهش أحشاءك بالظفر والناب. وهو إذا أدبرت عنه تبعك، وإذا أقبلت عليه أدار ظهره إليك. هذه حقيقة لم يفهمها رجال السياسة عندنا - وهل عندنا رجال سياسة! - وقد فطن إليها أخصامنا فاستفادوا من ذلك وخرجوا بالمغانم لأممهم وقضاياهم.
ننتقل بعد ذلك إلى صورة رفيعة لعدالة الإنجليز ونبل ضمائرهم وسمو أهدافهم، وهي صورة من مأساة فلسطين. لا تتسع هذه المقالة للتفصيلات التي لا تسعها المجلات. وإنما ترسم بعض الخطوط الرئيسية رسماً سريعاً لتعين القارئ على فهم المأساة التي تقدمها مثلاً