هدد الرئيس ترومان باستخدام القنبلة الذرية عندما ساء موقف جيشه في كوريا، معتقدا أن مثل هذا السلاح المدمر يمكن أن ينهي الحرب ويرد إلى نفسه شيئا من الاطمئنان. . وعندما أراد رئيس الولايات المتحدة أن يطمئن، غمرت الضمير الإنساني موجة من القلق عصفت بكل ما رسب في أعماقه من أمل في مستقبل السلام؛ ذلك لأن مستقبل السلام في العالم مرتبط بمستقبل الحضارة الإنسانية، هذه الحضارة التي لا يمكن أن يضيء مشعلها وهو معرض لهبوب العواصف والأعاصير!
يريد الرئيس الأمريكي أن يطمئن على سلامة مائة ألف من الأمريكيين، ولا ضير في منطق الضمير الأمريكي والسياسة الأمريكية أن يذهب الملايين من الأجناس الأخرى إلى الجحيم. . ولقد اطمأن الرئيس من قبل ونام ملء جفنيه وسعد بهْدوء الفكر وراحة البال، يوم أن ألقى هذه القنبلة المشؤومة على مدينة هيروشيما فأودت بحياة تسعين ألفا في لحظة عابرة لن يغتفرها التاريخ! ولماذا لا يطمئن هذا (الإنسان) العظيم وقد أنهى الحرب اليابانية على خير وجه وفي أسرع وقت وبأيسر جهد فيما عرفه الناس من جهود؟ المهم هو ألا يراق الدم الأمريكي ولا بأس من أن يراق غيره من الدماء!
واليوم يحاول الرئيس ترومان أن يكرر التجربة ويعيد إلى الأذهان قصة الأمس البغيض، ولكن هذه الأذهان التي لم تثر بالأمس قد ثارت اليوم، لأنها قد أحست وخز الجراح العميقة التي غفلت عن أن تحس وخزها من قبل، يوم كانت في غمرة المعركة واحتدام الصراع! وتمثلت هذه الثورة الجارفة في قالب صيحة ساخطة، أطلقتها في وجه أمريكا حناجر الأصدقاء ولم تطلقها حناجر الخصوم. . ليدرك الرئيس الأمريكي أن مستقبل البشرية فوق مستقبل جنس واحد، وأن التفكير في بقاء القيم الإنسانية أجدى من التفكير في إلقاء القنبلة الذرية!
ترى هل يعتقد الرئيس ترومان أن مشكلة السلام والاستقرار والأمن، يمكن أن تحل بأن تنتصر أمريكا ولو كان انتصارها مرتبطا بهدم الحضارة وإفناء الشعوب؟ أي انتصار هذا الذي يريد له أن يبنى على الأنقاض وأن يقام على الأشلاء؟ ويقال بعد هذا إن (الديمقراطيات) الغربية تسعى إلى توطيد أركان السلم وتنشد بعث الطمأنينة في قرار النفوس، والقنبلة الذرية هي السلاح الكفيل بتحقيق هذا الأمل. . وهكذا تجد أن آخر المدنية