للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيف تنام أعين العرب]

عن إخوانهم في شمال أفريقية؟

للأستاذ حسن أحمد الخطيب

منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً توطن العرب والمسلمون بلاد المغرب برقة وتونس والجزائر ومراكش. لم يذهبوا إليها مدفوعين بحب الغلبة القاهرة، والسيطرة الغاشمة، والفتح الذي يقصد به استغلال المغلوبين، ولم ينتقلوا إليها ليجردوا أهل البلاد من خيراتهم، ولا لينتزعوا منهم ديارهم وأموالهم، ولا ليكرهوهم في الدين، ولا ليسلبوهم حريتهم، ولا ليقضوا على كيانهم كأمة من الأمم التي لها حق الحرية والوجود

إنما حركتهم للفتح عوامل إنسانية، وحفزتهم إلى الانتقال والترحل غايات نبيلة ومقاصد شريفة، هي رفع الظلم الذي كان يرسف فيه أبناء البلاد، وإزالة العسف الذي كانوا يلقونه من الحكام، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، إخراجهم من ظلمات الجهل والجور والفوضى والاسترقاق إلى نور العلم والعرفان والحرية والإخاء والعدل والإحسان، ثم اندمجوا فيهم فصاروا أمة واحدة تعيش في كنف من تعاليم الإسلام ونظمه، بحيث لم يعد هناك فارق بين الحاكمين والمحكومين. وكانت الشرائع والأحكام التي يرجع إليها الناس في مكة والمدينة واليمن والبصرة والكوفة ودمشق هي التي يدين لها بالطاعة والرعاية من في مصر وبرقة والقيروان وبجاية وتلمسان وسبته وطنجة وفاس ومراكش، كما ازدهرت في هذه البلاد حركة علمية عمادها ثقافة الإسلام وعلومه وقوامها اللغة العربية وآدابها وعلومها وبخاصة في مدينة القيروان

ثم تقلبت الأحداث والغير على تلك البلاد في مختلف الحقب والإعصار إلى أن منيت بالاستعمار الأوربي من الفرنسيين والأسبانيين والإيطاليين فساموا أهلها سوء العذاب، وأذاقوهم ألوان النكال، وهم أمة أبية لا تنام على ضيم، ولا تخلد إلى مسكنة أو مذلة، فثار المسلمون والعرب غير مرة على طاغوت المستعمرين وبغى الولاة الظالمين، لأنهم سلبوهم حريتهم المدنية والسياسية، وضيقوا عليهم الخناق في حريتهم الدينية، وسلطوا عليهم كل وسائل الاستعمار التي تنخر عظام الأمم وتحولها شيئاً فشيئاً إلى مصيرها المحتوم من التأخر والانحلال ثم الثبور والفناء

<<  <  ج:
ص:  >  >>