الوجه في إفراد شاعر أو كاتب من الماضين بالتأليف هو - كما يقول الرافعي رحمه الله - أن تصنع كأنك تعيده إلى الدنيا في كتاب وكان إنساناً، وترجعه درساً وكان عمراً، وترده حكاية وكان عملاً، وتنقله بزمنه إلى زمنك، وتعرضه بقومه على قومك حتى كأنه بعد أن خلقه الله خلقة إيجاد، يخلقه العقل خلقة تفكير.
وهذا كتاب (ابن المقفع) وقد وضعه الأديب عبد اللطيف حمزة، وحاول فيه هذه المحاولة، واجتهد في إدراك تلك الغاية، فأخذ كاتب العربية بالقول من جميع جهاته، وتناوله من كل ناحية يمكن أو تصح أن تلابسه، وكان أن جرى في ذلك على مذهب الناقد الفرنسي المشهور (تين) الذي يرى أن الكاتب صنيعة لعوامل ثلاثة: (الجنس، والبيئة، والزمان) ولذلك فقد تناوله من جهة شخصيته فتكلم عن حياته ولونه السياسي ومصرعه وأخلاقه ومكانته ونظرته إلى المثل الأعلى وزندقته وما قيل فيها، ثم انتقل إلى الكلام عنه في فنه وعبقريته، وعرض له مصلحاً اجتماعياً وكاتباً له أسلوبه وطريقته، واهتم بتحقيق آثاره وخص بعضها بالتحليل والدرس، وأطال القول خاصة في كليلة ودمنة، ثم ختم كتابه بالقول في الأثر الأدبي لابن المقفع، أثره في الشعراء وأثره في الكتاب، وأثره في القصة، وأثره في العقل الشرقي بوجه عام
فالأديب الفاضل قد توسع بالموضوع حق التوسع، ودخل عليه من كل ناحية يمكن أن تتصل بابن المقفع، وهو في كل ناحية للقول يعن كثيراً بأن يستعرض آراء السابقين في الرجل فيناقشها مناقشة حادة عنيفة، ينتهي من ورائها إلى نقض ما يراه جديراً بالنقض، وإلى تأييد ما يراه حقيقاً بالتأييد، ثم يتقدم برأيه الشخصي محاولاً أن يحتج له ما وسعته الحجة، وأن يتلمس له ما يمكن أن يكون هناك من دليل، ولست أزعم لك أني معه في كل ما انتهى إليه من الرأي، ولكني - كما يقول الأستاذ أحمد أمين - قد أخالفه في بعض ما