عجب ناسٌ حين رأونا نقول بأن الأستاذ أحمد أمين ينظر إلى الأدب وإلى الوجود نظرةً عامية، واستكثروا أن نحكم هذا الحكم على رجل من أساتذة الجامعة المصرية
ونجيب بأننا لم نظلم هذا الصديق، وإنما نفسه ظلم، فهو الذي يبني أبحاثه على قواعد المسلّمات والمقررات عند عوامّ الباحثين، وذلك يشهد بأن الابتكار والابتداع بعيدان كل البعد عن ذهن هذا الباحث المفضال
يعلن الأستاذ أنه يحتقر المعدة ليصح له التطاول على ماضي الأدب العربي؛ واحتقار المعدة لا يقوم على أساس من الواقع ولا من المنطق، وإنما هو مجاراةٌ للعوامّ الذين يصعب عليهم أن يدركوا أن النفس تتبع الجسم في الصحة والمرض، والقوة والضعف، والنشاط والخمول، ويعسر عليهم أن يفهموا أن الإنسان يرى المعنويات والمحسوسات بأشكال مختلفة في وجوه متباينة تبعاً لاختلاف الذوق والحسّ والمزاج
والواقع أننا عبيد لحواسنا وأعصابنا، وأن جمهورنا مدين في تكوين ذوقه وحسه وعقله إلى ما يأكل وما يشرب وما يلبس وما يرى وما يذوق. وقد راعى ذلك فقهاء الشريعة الإسلامية حين وضعوا آداب القضاء، فقد استحبوا للقاضي أن يمتنع عن الحكم إذا شعر ببعض عوارض المرض أو الظمأ أو الجوع
قلنا من قبل إننا لا نهجم على هذا الرجل بلا تأثّم ولا تحرّج، فالله وحده يعلم أننا نهجم عليه كارهين، لأنه صديق لم نر منه غير الجميل، ولأن له أصدقاء كنا نحب أن لا نؤذيهم بالهجوم عليه، فلنا فيهم إخوان أعزاء
ولكن هل يجوز أن يكون أحمد أمين وأصدقاؤه أعز علينا من الحق؟
هل يجوز أن نترك هذا الرجل يتحذلق ذات اليمين وذات الشمال مراعاةً للأخوة الغالية التي جمعت بيننا وبينه منذ نحو عشرين عاماً؟
إن أحمد أمين يجور على ماضي الأدب العربي بلا تحفظ ولا احتراس، وأغلب الظن أنه ما كان ينتظر أن يقول له أحد: (قف مكانك، يا أحمد أمين، حتى تدرس الأدب العربي