للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دراسة تمكنك من الحكم له أو عليه)

وساعده على الاطمئنان إلى السلامة من عواقب ما يصنع أنه يصدر أحكامه الخواطئ في وقت خمد فيه النقد الأدبي. فهو يظن أنه لن يجد من يرشده إلى التصدر لأستاذية الأدب العربي يوجب حتماً أن يكون ذلك المتصدر أدبياً يتذوق المعاني ويدرك الفروق بين أساليب البيان.

فإن كان القراء في ريب من ذلك. فإنّا ننقل إليهم أحكامه على مقامات بديع الزمان، ومقامات الحريري؛ ننقلها بالحرف ليستطيعوا متابعتنا في تبيين ما فيها من خطأ وضعف.

قال الأستاذ أحمد أمين:

(ثم انظر بعدُ إلى الفن المبتكر في العصر العباسي، وهو فن المقامات، فقد ابتدعها بديع الزمان الهمذاني، فلم يجعل محورها حبّاً ولا غراماً كما يفعل الروائيون اليوم. ولم يجعل محورها شيئاً يتصل بأدب الروح، ولكنها كلها (أدب معدة). فأبو الفتح الإسكندري بطل المقامات كلها، رجل مكر واحتيال، يصطنع جميع المهن لابتزاز الأموال. نراه مرة قرّاداً يسلي الناس ويضحكهم، ومرة واعظاً مزيفاً يعظ وينصح؛ ثم تنكشف حيلته فإذا هو مهرج؛ ومرةً مشعوذاً يحتال على الناس بشعوذته ليفتحوا كيسهم ويغدقوا عليه من مالهم، وهو في كل ذلك مستجد سائل محتال. وجاء الحريري فجعل مكان أبي الفتح الإسكندري أبا زيد السروجي، وهو كصاحبه دناءة نفس، وخساسة حرفة. يشحذ ثمن كفن لميت يدّعيه، ويتعامى فتقوده امرأته إلى المسجد ليبتز أموال المصلين، ويجمّل غلامه ليوقع الوالي في شركه فيسلبه ماله وهكذا، ويتخذ الفصاحة والبلاغة وسيلة للتكدي والسؤال. . . أليس هذا كله أدب معدة؟)

ذلك كلام الباحث المفضال أحمد أمين نقلناه بحروفه لئلا نتّهم بالتجنّي عليه حين نحكم بأنه رجل لا يدرك أسرار الحروف، أبهذه الجرأة يحكم أحمد أمين على فن المقامات؟

لن نقول شيئاً يمس أحمد أمين، ويكفي أن نقف عند الملاحظات الآتية:

١ - نلاحظ أولاً أن أحمد أمين لم يفهم أغراض الحريري وبديع الزمان، فهو يتوهم أنهما يحاولان إغراء الجماهير بالإقبال على ما في تلك المقامات من شمائل وخصال، ومن هنا جاز له أن يضيف أدب المقامات إلى أدب المعدة، ولو كان أحمد أمين درس مقامات

<<  <  ج:
ص:  >  >>