كان يفصل في القضاءين المدني والجنائي حتى القرن الثالث عشر ق. م بمصر هيئة واحدة؛ وفي عهد الأسرة التاسعة عشرة وهي من الرمامسة فصل القضاء المدني من القضاء الجنائي وأصبح لكل منهما محكمة خاصة به في الإقليم. وكان يرأس المحكمة المدنية في طيبة رئيس كهنة (آمن) ويجلس معه عشرة من الكهنة، أما المحاكم الجنائية فكان يرأسها (دجا) أي ممثل السلطة التنفيذية في الإقليم ورئيسه، وكان يساعده موظفان كبيران هما بمثابة محلفين، ونائب الملك (نم) الذي كان يمثل النيابة. أما الدعوى المختلطة أي التي تجمع بين طرفين أحدهما مدني والآخر جنائي فكانت المحكمة الجنائية تنظرها مضافاً إليها ثلاثة قضاة مدنيين يكونون في الأكثر من رجال الدين. وعندما تدخل الكهنة في القضاء في القرن الحادي عشر ق. م في عهد الأسرة العشرين زاد نفوذ الإله آمن فاستفتي في المسائل الجنائية ثم عظم نفوذه بمضي الزمن حتى أصبحت فتاوى آمن في خلال حكم الأسرة الحادية والعشرين أحكاماً نافذة في جميع الأقضية التي تعرض عليه جنائية أو مدنية أو تجارية أو إدارية؛ فكان يعرض عليه المتهمون ليفصل في قضاياهم بالوحي المنزل من عنده، وكان يدير الإجراءات بحضرته رئيس الكهنة فيقدم كتابين أحدهما يثبت البراءة والثاني يقرر الإدانة، فإذا وضع الإله إصبعه على الأول بريء المتهم، وإذا وضع الإله إصبعه على الثاني أدين. وأحياناً يحضر المتهم أمام تمثال آمن ثم يذكر رئيس الكهنة الوقائع أمام التمثال عندما ينتهي من ذكر تلك الوقائع يسأل رئيس الكهنة الوثن إن كان المتهم مجرماً أو بريئاً، فإذا هز الإله رأسه بالنفي برئ المتهم، وإن هز الإله رأسه بالإيجاب اعتبر المتهم مجرماً
قال الأستاذ ارون بيفن في كتابه (البطالسة) عن آمن: (وكان الوثن ككل أوثان التنبؤ مجبولاً بحيث يحدث عدداً محدوداً من الإشارات، فيحرك رأسه أو يلوح بذراعيه أو يشير بيديه؛ وكان يعهد إلى كاهن أن يشد الحبل الذي يحرك الوثن ثم ينطق بالنبوءة؛ وكان الجميع يعرفونه معرفة تامة، ولكن لم يدر بخلد أحد أن يتهمه بالغش أو يرميه بالخداع فإنه