للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كان عندهم الأداة التي يستخدمها الإله وبالأحرى آلة سيره، وكان الروح يلبسه في برهة خاصة، والروح هو الذي يحرك الصنم ويحرك شفتي الكاهن بما يريد؛ فالكاهن يعير يديه وصوته، ولكن الإله هو الذي يقدر أعماله ويوحي إليه بما يخرج من كلمات) وإذا كان المتهم غير معروف على وجه التحديد عرض المتهمون جميعاً على تمثال آمن الذي يشير بيده إلى المتهم منهم، أو يقول عنه مثلاً (هذا هو السارق). فإذا أنكر المتهم ما اتهمه به آمن أعاد آمن اتهامه، فإذا صمم على الإنكار بعد ذلك سيق إلى السجن وهناك يلقى من العذاب ما يجعله يقر بجرمه، إذ لا يمكن نسبة الكذب إلى الإله آمن. وعند اعترافه بأنه مذنب يساق مرة أخرى إلى آمن الذي يسمع اعترافه ويصادق عليه، وعندئذ يقدم المتهم للمحكمة الجنائية التي تحكم عليه بالعقوبة نتيجة لهذا الاعتراف. غير أن نفوذ الإله آمن قد ضعف في عهد الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين وهما من اللوبيين وأصبح الرجوع لفتاواه شكلياً بحتاً، ثم استرد بعض نفوذه بين سنتي ٧٢١ و ٧١٨ ق. م

ولما تبوأ الملك بوخوريس مؤسس الأسرة الرابعة والعشرين عرش مصر أزال التدخل الديني وأعطى للقضاء صبغته المدنية السابقة؛ غير أن استيلاء الأثيوبيين على مصر وانتمائهم لآمن أعاد له سلطته القضائية السابقة ولكنها ضعفت في عهد الملك أمازيس (أحمس الثاني) أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين، وبذلك قضى على سلطة آمن قضاء مطلقاً، وأعاد للقضاء صبغته المدنية التي كان عليها زمن الملك بوخوريس فأعاد أمازيس المحاكم الجنائية والمدنية وفق نظام رمسيس الثاني (رمسيس الأكبر) أي إلى ما كانت عليه المحاكم في القرن الثالث عشر ق. م وبذلك أعيد الاختصاص في المواد الجنائية إلى محكمة دجا وفي المواد المدنية إلى محكمة القضاة الكهنة كما كان متبعاً من قبل. ولم يحرم أمازيس الكهنة من الفصل في القضايا المدنية لسببين: أولهما أن القضايا المدنية تتطلب علماً ومعرفة بالقانون، والثاني أن هذا العلم وتلك المعرفة لم يتوفرا إلا لرجال الدين إذ ذاك، ولكن أمازيس ألغى طريقة الفصل في القضايا بواسطة الوحي الديني، أما القضاء الجنائي فنظراً لبساطته وسهولته بقي الفصل في أموره للملك إما بنفسه وإما بقضاة يعينهم

ولقد فصل قدماء المصريين بين وظيفة القضاء ووظيفة الاتهام إذ ظهر منذ الأسرة الثانية عشرة وظيفة لسان الملك وكان شاغلها بمثابة النائب العام في زماننا؛ وكانت مهمته أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>