للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأدب والفنّ في أسبُوع

للأستاذ عباس خضر

شاعر يثور على الطبيعة:

لكثير من الكتاب والشعراء - في القديم وفي الحديث - ولع بمشاهد الطبيعة والسكون إليها والتغني بجمالها، حتى لقد صار ذلك تقليداً متبعاً يجري عليه الناشئون في الأدب والمتطلعون إلى قرض الشعر، تراهم يقصدون إليها ويسرحون الطرف في مغانيها، عسى أن تزف إلى قرائحهم بنات الأدب والفن.

وقد قرأنا كثيراً من القصائد والقطع الجيدة وصف مناظر الطبيعة والتفنن في التعبير عن جمالها، وقد أوحت بها إلى أصحابها تأملاتهم تلك المناظر وسبحات أفكارهم في جوها، ولعل هذا النوع من الأدب أقل أنواعه رواجاً في عصرنا هذا الذي يفضل الخوض في مسائل الحياة والتحدث عن الحقائق الإنسانية وتحليلها. فالأديب يذهب إلى الحدائق والشواطئ ليأخذ قسطه من الاستجمام والترويح عن النفس وصحة الجسم، كأي أنسان آخر، ثم هو مطلق الحرية في أن يأخذ موضوعه من أي مكان شاء، لا يتقيد إلا بما يثير عقله وإحساسه من صور الحياة وشؤون الناس.

أثارت تلك الخواطر بنفسي، قصيدة نشرت بالأهرام للأستاذ محمد مفيد الشوباشي، عنوانها (شاطئ بلطيم) ذهب بها في الحديث عن هذا الشاطئ مذهباً إنسانياً طريفاً يعاكس مذهب شعراء الطبيعة المفتونين بها، فهو لم يسكت عنها ويعدل إلى غيرها، بل إنه استنكر السكون والروعة والجلال وما إلى ذلك من الأوصاف التي تجذب أولئك الشعراء إلى أماكنهم المحببة إليهم، فلم يرقه شيء من ذلك بل شعر بالوحشة والملل فيها، قال:

على الشاطئ المهجور قضيت حقبة ... من الدهر محزون الفؤاد وحيداً

يباب خلا من كل أنس وبهجة ... يمر به الدهر الممل وئيدا

تمر به الأيام جرداء مثله ... فلست ترى فيما تراه جديدا

ويمضي على هذا النحو في التبرم بتلك الأماكن المقفرة، حتى يقول:

حننت إلى الإنسان في خلواتها ... وإن كان شيطان الخصال مريدا

ألا ليتني ألقى عدوي فأرتمي ... على صدره سهل القياد سعيدا

<<  <  ج:
ص:  >  >>