يبدو أن العقاد - في هذه الأيام - يهز الشجرة الناضجة هزاً رفيقاً، فتساقط ثمارها في يسر ورخاء. وإنها لشجرة الجهد الموصول، والاطلاع البصير، والتجربة العميقة، قرابة أربعين عاماً من عمر فنان موهوب، لم يكد يراهق حتى بدأ حياته الأدبية في جد واحتفال، وحتى كان الاطلاع عمله الأول، والحياة الفنية وجهته الأصيلة.
وهذا ما يفسر لنا ذلك الخصب في إنتاج السنوات الأخيرة، بل السنة الأخيرة وحدها؛ ففيها أخرج (عبقرية عمر) و (شاعر الغزل)، وهو يتهيأ لإخراج كتاب عن (أبي بكر) في هذه الأيام. فضلاً عن (أعاصير مغرب) ديوانه الغنائي الأخير.
وفي هذه الكتب جميعاً - على تفاوت بينها - يبدو أن الثمار الناضجة تساقط بأيسر جهد، وأن الشجرة متهيئة ما تكاد تلمس حتى تعطي الجني الشهي في رفق ولين!
ظهر كتاب (عبقرية محمد) فقلت: (هذا كتاب العقاد) ثم ظهر كتاب (عبقرية عمر) فقلت: (لا! بل هذا هو كتاب العقاد!) ثم هاأنذا أكاد أعيدها وأنا أقرأ كتابه الصغير (شاعر الغزل) في الشهر الأخير.
إن هذا الكتيب يستقل بإنشاء مدرسة جديدة في النقد الأدبي باللغة العربية. مدرسة لها طريقها ولها قواعدها ولها أدواتها، وكل ذلك في يسر ووضوح يكادان يغريان كل قارئ بأن يسلك الطريق ويتخذ القواعد والأدوات، ويروح ينشئ في النقد الأدبي ما أنشأ العقاد!
لقد قلتها مرة: إن العقاد دارس الشخصيات الأول، حين لاحظت أن أفضل مواهبه تنصرف إلى هذا اللون من الإنتاج، وأن ميزته فيما يدرس أن يعطيك (مفتاح الشخصية) التي يتناولها، تعرف على الفور (من هو) هذا الإنسان الذي يحدثك عنه، وتتبين سماته وملامحه من بين الملايين أو من بين الألوف الذين ينتمي إليهم ويندمج فيهم؛ كما تستطيع أن تجزم بصحة الأخبار والحوادث والأعمال التي تنسب إليه أو عدم صحتها، ولو لم ترد في دراسة العقاد له، لأنك أصبحت تعرفه، وتدرك خصائصه، وتلحظ مزاجه؛ وتعلم ما يمكن أن يأتي أو يدع من الأمور؛ شأنك في هذا شأن الصاحب الذي أطال عشرة صاحبه، فعرف أعمق