للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من التاريخ الإسلامي]

عمر بن عبد العزيز ٦٢ - ١٠١هـ

للأستاذ عبد الحميد العبادي

٣

لم يكن عمر بن عبد العزيز صاحب حق في الخلافة بمقتضى نظام الخلافة الأموية. ولكن ذيوع فضله وسموه الروحي على سائر بني أمية لفت اليه نظر أولي الحل والعقد من صلحاء الشام أمثال رجاء بن حيوة الكندي وابن شهاب الزهري ومكحول الشامي، فلما مرض سليمان بن عبد الملك بدابق مرضه الذي مات فيه ولم يكن له ولد بالغ يعهد اليه، لم يزل به رجاء بن حيوة وأصحابه حتى كتب عهده لعمر بن عبد العزيز، ثم من بعده ليزيد ابن عبد الملك. ثم أمر فأخذت البيعة من بني أمية لمن سمى في عهده دون أن يعينه لهم، فلما قبض سليمان وأعلن الأمر إلى بني أمية جددوا البيعة لعمر على كره منهم (٢٠ صفر سنة٩٩)

شرع عمر في تنفيذ برنامجه الإصلاحي منذ تم له الامر، ولقد كان له من زهده، ومناصرة العلماء له، ومؤاتاة أهل بيته: زوجه فاطمة، وابنه عبد الملك، وأخيه سهل، ومولاه مزاحم، أقوى عون على ما أراد. بدأ عمر بمنصب الخلافة ممثلا فيه فجرده من كل مظاهر الأبهة ورده إلى بساطته القديمة؛ ولا أدل على ذلك من كلام ابن عبد الحكم قال: (ولما دفن سليمان وقام عمر بن عبد العزيز قربت اليه المراكب؛ فقال ما هذه؟ فقالوا مراكب لم تركب قط يركبها الخليفة أول ما يلي. فتركها وخرج يلتمس بغلته؛ وقال يا مزاحم ضم هذه إلى بيت مال المسلمين. ونصبت له سرادقات وحجر لم يجلس فيها أحد قط كانت تضرب للخلفاء أول ما يلون، فقال ما هذه؟ فقالوا سرادقات وحجر لم يجلس فيها أحد قط يجلس فيها الخليفة أول ما يلي، قال يا مزاحم ضم هذه إلى أموال المسلمين، ثم ركب بغلته وانصرف إلى الفرش والوطاء الذي لم يجلس عليه أحد قط، يفرش للخلفاء أول ما يلون، فجعل يدفع ذلك برجله حتى يفضي إلى الحصير، ثم قال يا مزاحم ضم هذه لأموال المسلمين.

(وبات عيال سليمان يفرغون الأدهان والطيب من هذه القارورة إلى هذه القارورة، ويلبسون ما لم يلبس من الثياب حتى تتكسر. وكان الخليفة إذا مات فما لبس من الثياب أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>