بنو عذرة بطن من قضاعة، وقضاعة من القبائل اليمنية التي نزحت من اليمن بعد سيل العرم، فنزلت بشمال الجزيرة العربية إلى بلاد الشام
وقد اختص بنو عذرة من بين قبائل العرب بكثرة عشاقهم، وامتاز عشاقهم على غيرهم بأنهم كانوا يلحون في الحب إلى حد الاستهانة بالموت فيه، وأن الواحد منهم كان يخلص إلى من يعشقها، ويهبها نفسه وحبه وكل شيء يعزه في هذه الدنيا، وفي ذلك يقول جميل بثينة:
أُصلي فأبكي في الصلاة لذكرها ... ليَ الويْل مما يكتب الملكانِ
ضمنتُ لها ألاَّ أهيمَ بغيرها ... وقد وثقت مني بغير ضمانِ
ويقول المجنون، وقد كان من بني عامر:
وَلَماَّ أبى إلا جماحاً فؤادُهُ ... ولم يَسِلُ عن ليلى بمال ولا أهل
تَسلىَّ بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلى بها تغري بليلى ولا تُسلى
وكان بنو عذرة يفتخرون بعشاقهم افتخار غيرهم بفرسانهم أو أجوادهم، ويرون عشقهم مزية شرف ونبل، ودليلاً على رقة القلب وصفاء النفس. وقد أخرج التنوخي عن عروة بن الزبير أنه قال: قلت لعذرى: إنكم أرق الناس قلوباً - يريد أصباهم إلى الحب، فقال: نعم، لقد تركت ثلاثين شاباً خامرهم السُلُّ، ما بهم داء إلا الحب
ولقد كان لجمال نساء بني عذرة أعظم الأثر في امتيازها بكثرة الحب، لأن الحب في الغالب يجري وراء الجمال، كما أن الجمال يورث القلب رقة، والنفس صفاء، فتستهويهما النظرة وتسترقهما الابتسامة. ومما ورد في جمال نساء هذه القبيلة ما روي أن فزارياً قال يوماً لعذرى: أتعدون موتكم في الحب مزية وهو من ضعف البنِية، ووهن العُقدة، وضيق الرئة؟ فقال: أما والله لو رأيتم المحاجر البُلُج، ترشق بالعيون الدُّعج، تحت الحواجب الزُّجّ، والشفاهَ السُّمر تبسم عن الثنايا الغر، كأنها شذر الدر لجعلتموها اللاَّت والعُزَّى وتركتم الإسلامية وراء ظهوركم