ما غاية الأدب؟ وما رسالته في الحياة؟ سؤالان إذا نحن استطعنا الإجابة عنهما أفلحنا إلى حد كبير في تحديد ما ينبغي أن يكون عليه الأدب، وما يجب أن يأخذ به الأدباء أنفسهم حتى يصلوا أو يقاربوا المثل العليا التي ننشدها في الحياة، ولا تظنوا أن الإجابة عن هذين السؤالين هينة يسيرة، بل هي عسيرة جداً، ومع عسرها تختلف باختلاف العصور إن لم تختلف باختلاف الأفراد، ولكنى أستطيع أن أقول: إن الأدب الخالد، أو بعبارة أخرى ما يجب أن يكون عليه الأدب ليكون خالداً، هو تصوير المثل العليا للإنسانية، ونشدان هذه المثل، إذ أن غايتنا في الحياة هي السير إلى المثل العليا بجد وعزيمة حتى نحققها أو نقاربها، وبما أن الأدب هو المعبر الدقيق عن عواطف الإنسانية وآمالها وأحلامها، فلتكن مهمته في الحياة هي تصوير المهمة الملقاة على عاتق الإنسانية وإن الإنسانية لتسير إلى المثل العليا على قدمين: العلم الذي يحقق الناحية المادية للمثل العليا، والأدب الذي يحقق منه الناحية الروحية. وقد فرغ العلماء من إثبات ما بين الناحيتين من تآزر وارتباط، وليس منواجبي الآن أن أتحدث عن المثل العليا للإنسانية فذلك يحتاج إلى كتب تؤلف فيه، ولكنني فقط أحدثكم عن بعض هذه المثل مصورة في الأدب ومقتبسة من حياتنا المصرية الحاضرة
- ١ -
إذا نحن ذهبنا إلى الشعر العربي وجدنا فيه القيم الخالد، وإلى جانبه الكثير من الرديء البائد، ولن أحدثكم عن رداءة الشعر أو جودته من الناحية اللفظية، ولكن من الناحية الروحية وناحية ما يبعثه في النفس من وجدان وشعور، يسمو بنا إلى حيث نحقق ما خلقنا له ونعيش من أجله.
في الشعر العربي صور لا أغالي إذا قلت أنها ضعيفة لا تستحق خلوداً، ولا ينبغي أن نلقنها نشأنا، ونؤدب بها أبناءنا، لأنها تنأى بنا عن بلوغ غاياتنا، وسأعرض طرقا من هذه الآداب مقتصداً في إيراده ما استطعت. ففي الأدب العربي كثير من الشعر الذي أسميه شعر الضعف والاستسلام للواقع؛ فتسمع فيه تلك النغمة التي تحقر العمل وأرباب العمل، وتدعو