ما هو الذكاء؟. . . سؤال طبيعي ومعقول بعد هذه المقالات المتعددة التي شغلت الوفير من صفحات الرسالة. ولعلي لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بأكثر مما يجيب القارئ عن هذه الأسئلة: ما هو الزمن؟ وما هي الكهرباء؟ وما هو الثقل؟
والحقيقة أننا حين نقيس الذكاء لا نقيسه مباشرة، لأننا لم نصل بعدُ إلى معرفة طبيعته ومكوناته، وإنما نقيس مظاهره في الحياة والتصرفات والأفعال الذكاوية للإنسان. والمفروض علميّاً أن كل إنسان عنده قدر من الذكاء قل أو كثر، بل إن الرأي الحديث في علم النفس هو أن بعض الحيوان الأعلى كالشمبانزي والغوريلا والكلب على نصيب من الذكاء يظهر في تصرفاته
ولقد حاول علماء النفس منذ أن وضعت أول مقاييس للذكاء أن يحدوه، ولكنهم ما وصلوا إلى رأي متفق عليه. وفي سنة ١٩٢١ نشرت مجلة علم النفس التربوية الأمريكية آراء لأربعة عشر عالماً نفسيَّاً كلٌّ يحاول أن يعرف الذكاء. وكان تعريف ترمان صاحب المقاييس المشهورة بأنه (القدرة على التفكير المعنوي المجرد) وعرفه كلفن بأنه (القدرة على التعلم)، وعرفه بكنجهام بأنه (القدرة على العمل والتصرف تصرفاً إنتاجياً تحت ظروف معينة). ومهما يكن من أجوبتهم فإنها تدل على أنهم لم يتفقوا على تعريف الذكاء الذي أنفقوا السنوات الطويلة في بحثه ووضع مقاييس له
وفي سنة ١٩٢٤ صدر تقرير من وزارة التربية البريطانية وضعته لجنة اشترك معها قادة رجال التربية وعلماء النفس الإنجليز للبحث في قوى الذكاء المختلفة، والاختبارات السيكولوجية المناسبة لها. ويشير هذا التقرير إلى أن هناك ثلاث نظريات شائعة حول تعريف الذكاء
النظرية الأولى هي نظرية من يعتبره نتيجة وأثراً لبضع ملكات أو وظائف عقلية عامة. وتعزى هذه النظرية لألفريد بينيه السيكولوجي الفرنسي. وهو يقول في بعض مقالاته عن مقاييس الذكاء: إنه يقيس بها ملكة الإرادة، وملكة الانتباه، وملكة الحافظة، وملكة التعقل. ثم