كان سيزار لمبروزو أول من تناول المجرم بالبحث العلمي وطلع على العالم بنتائج طريفة كان أخطر ما فيها إثبات العلائم الدالة على الأجرام. وقد لبثت نظريته في المجرم والجريمة ردحاً من الزمن وهي ذات سيادة تكاد تكون كاملة في عالم الجنائيات. إلا أنها أخذت بعد حين بكثير من النقد والتجريح، ثم توسع فيها الناقدون وأضافوا إلى أصلها كثيراً من الحواشي التي لم يقل بها صاحب النظرية، حتى يكاد يعد لمبروزو خارجا على ما ينسب إليه، أو أنه ليس من المدرسة المعروفة باسمه
وفي الواقع ان لمبروزو لم يصب كبد الحقيقة، إلا أنه لم يزغ عنها تمام الزيوغ؛ فالنظرية ليست كلها على خطأ أنها ليست كلها على صواب؛ وأحسن ما يمكن أن يقال فيها إنها صورت نصف الحقيقة، ولم يعن جمهور العلماء بنقضها ودحضها إلا لأنها ظهرت في غير ظرفها الملائم وقبل الزمن المهيأ لأخذها بالقبول
وتتضح خطوط هذا التحليل في تفصيل النظرية الحديثة على بواعث الأجرام، تلك النظرية التي تنطوي على بعث الجريمة من وراء الخلل في الغدد الصماء
وهذه الغدد غير منقاة، وهي تلتقي عصارتها في الدم مباشرة من دون وسيط فتنتقل على متنه إلى كافة أجهزة الجسم وتفعل فيه الأفاعيل من هدم وبناء وتنويم وأيقاظ على رغم مقاديرها الضئيلة، وهي في مجموعها تؤلف وحدة حيوية مترابطة الأجزاء تفعل وتتفاعل بمقدار وعلى نمط خاص
وكان من العلماء الذين وقفوا سنوات طويلة من حياتهم على البحث في الغدد الصماء (الدكتور رالف رينولدز) بسان فرنسيسكو وزميله الدكتور (ستانلي) طبيب سجن كانتين. وقد قام هذان الدكتوران بكثير من العمليات لإزالة اضطرابات الغدد وتنظيم سيرها في السجناء من الجناة فكان ما قاما به عظيم الأثر في تحسين أحوالهم الطبيعية والعقلية؛ وتغيرت طباعهم وأخلاقهم وحتى إشكالهم الظاهرة. وقد وجد الدكتور (رالف) أثناء اختباراته المتواصلة أن نسبة مئوية كبيرة من أبناء السجون مصابة بحالة غير عادية في الغدد الصماء، وشاهد أن من يرتكبون جناية القتل وما يماثلها من الجروح يكونون مصابين