باضطرابات في الغدد الدرقية الموجودة في أصل العنق، وأن المزورين والمحتالين والسراق يختلفون من غيرهم بغددهم النخامية، وأن من ينغمسون في الجرائم الشهوانية والنقائص الجنسية، وإذا كانت هيئة أعضائهم في الذكورة والأنوثة شبيهة بسواها فلأن منبع الاختلاف مستقر في الداخل.
على أن الغدد المضطربة يكثر أن تترك آثار اضطراباتها ظاهرة في أجزاء البدن الظاهر، تلكم الآثار التي أوحت إلى لمبروزو نظريته فأصاب وأخطأ في آن واحد.
والذي يظهر من هذه الكشوف العلمية أن الجريمة ظاهرة مادية لعلة فسيولوجية تقوم في جانحة المجرم، أو أنها ليست إلا مظهراً لزيادة أو نقص تلك العصارات الذرية التي تفرزها الغدد الصماء في الدم، فتختلق في الإنسان ما تشاء من عواطف وشذوذ.
وبالقياس إلى هذه النظرية يصبح العقاب غير مجد في معالجة الأجرام وفيه جناية اجتماعية على الجاني. والطريق الوحيدة لإزالة الجريمة هي معالجة ما يعانيه الجناة من الاضطرابات في غددهم الصماء.
قد يقال: إن من الجناة من لا يعود إلى ما جنى إذا نزل به العقاب، وإن منهم من يقلع عن ارتكاب الجرائم متى تقدمت به السن. وعندي أن الرد على هذا النقد منطو في أن من الجناة من يندفع إلى الجريمة بقوة ظرفه الخاص؛ فمثل هذا الجاني لا يمكن أن يعد في عداد أولئك الذين تتحرك في نفوسهم عوامل الأجرام من وراء الخلل في الغدد الصماء. كذلك يمكن أن يقال: أن الغدد قد تعود إلى التوازن بعد الإفراط في الإفراز متى ضمرت ببلوغ الشيخوخة.
ونحن وإن كنا نرى استحالة تطبيق هذه النظرية في أكثر البلاد وتعسر تطبيقها في البلدان الأخرى، فإن البحث العلمي يجب ألا ينقطع بقيام التعذر والاستحالة في التطبيق، وأنه لا مناص من اعتباره باعثا عليه.
على أن من الجرائم ما قد يكون منبعثاً عن سوء التربية في دور الطفولة. فقد ثبت في دائرة العلوم النفسية والتربوية أن لسنوات الطفولة من التأثير الخطير في نفس وأخلاق الطفل ما يبقى رازحاً تحت أعبائه طول حياته.
وليس عجيباً أن نحلل بعض مظاهر الأجرام، فنجدها عائدة إلى ما كان من سوء التربية في