للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[رسالة الفن]

دراسات في الفن:

الفن علامة الإنسانية

للأستاذ عزيز أحمد فهمي

قال جاجاديز بوز العالم الهندي إن النبات يتألم ويئن وأثبت ذلك. وأغلب الظن أن جاجاديز بوز لو لم يكن شرقياً لكثر عليه أن ينسب الألم والتعبير عنه بالأنين إلى النبات، ولاكتفى بقوله إنه تبدو فيه اهتزازات واضطرابات تشبه انفعالات الألم عند الإنسان. فهذا هو نهج الغربيين من العلماء الذين يتصدون لدراسة الحياة: يؤثرون أن ينكروها أولاً ثم أن يبحثوا عنها ثانياً على خلاف ما يفعل الشرقيون الذين يشعرون بها أولاً ثم يتعرفونها ثانياً بادئين بأنفسهم غير منتهين إلى شيء، لأنهم يؤمنون بالروح ويحبون بطبعهم أن ينسبوها إلى الأحياء جميعاً ولا يسمحون لأنفسهم أن يقولوا ما قاله بعض علماء الغرب من أن الحيوان نفسه مسلوب الروح وأن كل ما يبدو عليه من إمارات الوجدان والعاطفة ليس إلا ردود أفعال لاهتزازات عصبية مادية تعتري الحيوان في ظروف خاصة وتبعاً لمؤثرات خاصة. وهم يذهبون في نكرانهم هذا إلى ابعد الحدود حتى لينكرون هذا الفرح الذي يعتري الكلب في استقبال صاحبه الغائب، وهذا الحزن الذي يعتريه لوفاة صاحبه الوفي والذي يحمله على الإضراب عن الطعام والشراب حتى يموت موتاً. ينكرون العاطفة الروحية على الحيوان ويقولون إنه لا يفرح للقاء صاحبه وإنما هو يضطرب لأن مرأى صاحبه يثير في نفسه أو في أعصابه صور الطعام والنعم التي يغدقها عليه، ثم يقفون أمام الكلب المنتحر من الحزن والأسى، وقد طأطئوا رؤوسهم يفكرون في هذه القوة التي نقَّت الحيوان من أخص خصائص حيوانيته فأهمل الطعام والشراب والحياة نفسها. . . يخفضون الرؤوس أمام هذا الكلب طويلاً يبحثون في أذهانهم عن علة صيامه؛ فإذا قال لهم قائل إن الحزن والأسى هما السبب انتفضوا وقالوا: لا. نحن لا نعرف. ولكننا نأبى أن يكون في الحيوان روح وحياة. أما بقية الناس فمنهم من لا يرون في فرح الكلب وحزنه إلا اضطرابات واهتزازات وانفعالات وردود أفعال عصبية مادية لا روح فيها ولا حياة، وهؤلاء يقبلون

<<  <  ج:
ص:  >  >>