للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حديث في القرن التاسع عشر]

للأستاذ خليل هنداوي

التفت إلي محدثي - وهو شيخ وقور - وقال لي:

إنني محدثك حديثاً عجباً!

قلت: هات!

قال:

كنت في نهاية القرن التاسع عشر في وظيفة إفتاء للأسطول العثماني. وألزمت أن أركب البحر من الدار العلية إلى شاطئ المغرب لمشاغل دينية، على باخرة يونانية صغيرة تميل كلما مال عليها الموج. كنت في عزلة موحشة، لأني غريب لا تميل سحنة إلى سحنتي، ولا ينحني زي على زيي. وصدفة جلس إزائي على المائدة رجل قد تجاوز الأربعين، ولكن ملامح الأسفار على وجهه، وقد استبد الشيب بأكثر مساحة رأسه. أما همته، فلا تزال في صعود: يمشي فلا ينحني، ويتكلم فلا يتتعتع. . .

بادرني قائلاً بالألمانية:

- هل تحسن الألمانية؟

- لا.

سكت ريثما فرغت جفنة من الطعام وعاد سائلاً:

- هل تحسن الفرنسية؟

- لا.

- هل تحس الإنجليزية؟

- لا.

ثم قال بلسان فصيح طلق كأنه أحد البداة:

- وهل تحسن اللغة العربية؟

- أنا أبنها!

- ما اسمك، وما وسمك، ومن أين، وإلى أين؟

أجبته على سؤاله، وعجبت من أمر هذا الرجل الذي كان ينبغي له لما صادفه من زيي أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>