يسألني بالعربية. وقدم إلي نفسه بأنه مستشرق ألماني من هامبورج، قضى في الشرق زمناً طويلاً يبلو به الأخلاق، ويدرس العادات. وكانت صحبتنا خلال هذه الأيام المعدودة، صحبة متينة وثيقة، تجاذبنا فيها ما اختلف ألوانه من الأحاديث. وقبل أن يغادرني إلى بلده قال لي:
- والآن أريد أن أسألك عن مسألتين، ولكني رجل لا أُحب النقاش الممل، والجدل القائم على المكابرة. قال:
- إنني اطلب إلى الله أن يميتني على دين عمر بن الخطاب! قلت له:
- يا هذا! إن الدين دين محمد، فكيف تسنده إلى عمر؟!
أجاب:
- نعم. إن الدين دين محمد، ولكني أدعو الله أن يميتني على دين عمر. . . إن محمداً جاء بالدين ودعا إليه، وأبو بكر شد أًزره، وثبت أمره. وجاء عمر ينشره يؤيده وينفذه. . . ومات عمر والمسلمون من بعده لا يزالون يتخبطون في فتنة عمياء، عرفت أوائلها، ولا تعرف خواتمها! المسلمون اليوم على دين غير دين عمر. وماذا - لعمر الله - ير عون من هذا الدين إلا رسومه؟ دين عمر يأمر بالصلاح وهم فاسدون. دين عمر يأمر بالأمانة وهم خائنون، ويأمر بالصدق وهم كاذبون، ويأمر بالوفاء وهم غادرون. . .
سمعتُ هذا من محدثي، وبرقت لنفسي خاطرة أُحببت أن أوضحها، وأحببت أن الفت إليها أنظار المصلحين من رجال الدين: إن الأخلاق التي حث عليها الدين تنحصر في نوعين: الأخلاق الحسية، والأخلاق المعنوية. أما الأولى فهي تتناول الظاهر وتجعل من الرجل الذي يتمسك بها رجلاً فاضلاً محترماً. وإلى هذا النوع من الأخلاق يميل المصلحون، وعلى ممارسته يحثون. على أن المسلمين في الحقيقة لم يتردوا في هذا الدرك الأسفل من الذل، لأن بعضهم يشرب الخمر أو يفسق أو يقامر، وإنا لنرى اكثر الأمم المتسلطة علينا غارقة في خمرها وفسقها وقمارها. . . فلم يضرها ذلك شيئاً. أما الجانب الأكثر خطراً في الأخلاق، فهو الجانب المعنوي الذي تقاس به حيوية الأمم. ولعل هذا الجانب هو ما قصد إليه المستشرق، لأنه وجد أخلاقنا المعنوية، ومقاييسنا الروحية هزيلة جداً: فتاجرنا مثلاً يثرى بالخيانة والحيلة، وفقيهنا يرنع بالكذب، ومصلحنا يقصد جيبه قبل أن يقصد ربه. ومثل هذا الجانب هو ما ينبغي للمصلحين أن يعالجوه! وقد عرف رجال الدين كيف نعت