الرسول (ص) الكفر بالشرك الأكبر والرياء في الأخلاق بالشرك الأصغر. ومن ذا الذي لا يذكر ذلك الأعرابي الذي قدم على رسول والرذائل حشو ثيابه، فقال له: إنه لا يستطيع أن يقعد عن الخمر، وعن الفسق، وعن القمار. فما عالجه الرسول الحكيم إلا من الناحية المعنوية التي تقوي الشخصية وتنقي النفس قال له:
- لا تكذب، وافعل بعد هذا كل شيء!
لكن الأعرابي بعد يومين ترك كل رذيلة.
وهاهنا روعة الفهم وروعة الحكمة!
ولكن كيف يعمل مصلحون يتاجرون بالأخلاق الحسية على حساب الأخلاق المعنوية؟
ألتفت المستشرق إلى محدثي عن المسألة الثانية:
- وما هو الفارق بين الشرقيين والغربيين؟
- فاعتذر صاحبي بأنه لا يعرف الغرب معرفة صحيحة، كما اعتذر الشيخ محمد عبده حين سأله الفيلسوف سبنسر عن أخلاق الإنجليز فاجاب المستشرق:
- إن الشرق كفرد له قيمته وطيبة قلبه، بعكس الغربي الذي فسدت ذاتيته، وتعطلت محاسن نفسه. ولكن الشرقي حين يندمج ويتكتل مع غيره لا يلد إلا كتلة فاسدة متفسخة، يسوقها الطمع، وتقتلها الأنانية. بعكس الكتلة الغربية التي يسودها النظام، وتذوب فيها المصالح الفردية. ولهذا يرجع سر نجاح الجمعية الغربية، وفشل الجمعية الشرقية!
ولقد أصاب المستشرق الهدف إلى حد بعيد، لأن تربية الشرقي تربية ذاتية أنانية تدور حول نفسها، لا تعمل الخير ولا تطلب الإحسان في العمل إلا إذا عملت لنفسها. بينما تربية الغربي تكاد تصبح تربية جماعية اجتماعية، كأنما أدركت هذه التربية قول الرسول (ص): يد الله مع الجماعة.
ولكن ما عسى يقول هذا المستشرق لو عرف أن الشرقي الذي كان يعرفه قد مات، وان الشرقي اليوم قد أضاع طيبة القلب وأمانة النفس كفرد، وبهذا أصبح لا يصلح للحياة كفرد في نفسه ولا في مجتمعه!
وهنا افترقنا. . .
لكن القدر هيأ لهما اجتماعاً ثانياً بعد أربعة أعوام في مدينة المستشرق - هامبورج -