فاستقبل المستشرق صاحبنا وأحله في مثواه، لأنه عربي له عليه حق الضيافة. وفي اليوم الثاني عرَّج به إلى الجامعة، وقدمه إلى رئيسها، وهو شيخ مفكر، لكنه غير محلول اللسان
قال الرئيس لمحدثي بالعربية:
- كيف رأيت بلادنا؟
- البلاد جميلة!
- جميلة! الظواهر جميلة في انتظام، أما البواطن ففي انقلاب! ولكن إذا حكم الإنسان العقل أدرك الأمور بحقائقها
فالتفت محدثي إلى الرئيس وقال:
- على ذكر العقل وإدراكه للحقائق، أود أن أذكر هذه الفقرة من كتاب مخطوط قرأته في مكتبة - أيا صوفيا - وهو في التصوف، وأسمه (نور الأبصار) لمؤلفه الشيخ بهاء الدين اليانيلي من منطقة الألبان (صدر في سنة ١١٦٠هـ). قال عن الشيخ العارف الأكبر السيد محيي الدين بن عربي:(ما عرفت رجلاً عرف الله عن طريق العقل مثل أفلاطون. . . وأفلاطون فيلسوف يوناني تفتحت له الحكمة، وانزاحت عن عينيه الحجب. وقد أوصى بأن ينقش على قبره: (الحكمة سلم العالم الأعلى، من علمها فقد علم القرب إلى بارئه، من تدبر نظر، ومن نظر انفتح ذهنه وعقله صفت نفسه، ومن صفت نفسه وصل إلى خالقه بدون واسطة!)
وهنا طلب الرئيس إلى محدثي اسم الكتاب واسم مصنفه ومكانه. وطلب إلى أستاذ في الجامعة أن يسافر لغده إلى - الدار العلية - لاستنساخ الكتاب. ويضيف محدثي إلى ما قاله: وبعد شهرين علمت من قيم المكتبة أن أستاذاً ألمانياً نقل الكتاب، وأعطى القيم مكافأة حسنة. . .