إن العالم الإسلامي في يقظته وفي كفاحه مع الاستعمار البريطاني والأوربي والصهيوني يواجه ثلاث هيئات اتحادية: الاتحاد السوفيتي في الشمال والاتحاد الفرنسي في المغرب والاتحاد الهندوكي في الهند. وكل اتحاد منها يعطي لنفسه مظهر حركة تقدمية يصبغها بصبغة التحرر ويريد كل منها أن يقنع العالم أن هذا الاتحاد أو الضم جاء وليد إرادة شعبية، وإنه في مصلحة هذه الأمم وفي الهند يأخذ الاتحاد شكل حركة قومية كبرى. ولو كان الأمر قاصراً على المناطق التي يسود فيها الروس والفرنسيون والهندوس لما أثار ذلك اعتراض أحد من الناس.
ولكن الباحث المدقق لا تغريه الألفاظ والمظاهر، إذ يتبين له أن كلا منها ينتزع أقطارا شاسعة ويحاول أن يضم أمما إسلامية لا تمت بصلة إلى الاتحاد الذي يفرض نفسه فرضاً عليها ولذلك لا تلبث أن تنكشف حقيقة هذه الأنظمة الاتحادية حينما يتعلق الأمر بمستقبل الشعوب الإسلامية وحريتها، إذ تبدو لنا هذه الأنظمة في ثوب قوات رجعية تعسفية، لا تمنح للمسلمين حريتهم وحقهم في تقرير مصيرهم، بل تجعل للتحكم والسيطرة والاستغلال الاقتصادي شكلا جديداً براقا لا يغتر به إلا الواهمون.
فالاتحاد الفرنسي يحاول بقوة التشريع ضم أراضي شمال أفريقية وسكانها وهم اكثر من عشرين مليونا، لهم تاريخهم وثقافتهم وشخصيتهم، وبدون أن يسمح لهم بإبداء رأي في هذا الاتحاد، والاتحاد السوفيتي يضم اكثر من أربعين مليونا من المسلمين الآسيويين لا يسمع لهم صوت ولا يسمح لهم بالاتصال بالعالم الخارجي، والاتحاد الهندي يمنع إنشاء دولة الباكستان الإسلامية ولا يسلم بها.
ولا يمكن للعرب في أفريقيا والمسلمين في آسيا قبول وضع من الأوضاع يجعل منهم أقلية في بقعة من بقاع الأرض: لأن تجارب الماضي كانت شديدة الوقع عليهم، ولذلك فهم لا يسلمون للأقدار أن تتحكم فيهم مرة أخرى، ثم هم أصحاب مجد وتاريخ وصوله على هذا الكوكب الأرضي، وهو تاريخ حافل بأيام العراك والكفاح والنصر والهزيمة وهو في قوته