وبروزه وأثره لا يمكن أن يقارن بتاريخ أي أمة من أمم الأرض مهما علا كعبها في الحضارة، وقد ألقى علينا هذا الماضي درساً قاساً لا يمكن أن ننساه، فنحن قد فقدنا ملايين من العرب في إسبانيا وجزائر صقلية وسردينيا وكريت ومالطة، كانوا عرباً دخلوا هذه البلاد واستوطنوها، ثم زالت أيامهم فادمجوا بالسيف في جنسيات واديان اخرى، ولا تزال دماء العروبة في عروقهم إلى اليوم، وهناك ملايين من المسلمين كانوا سادة في القرم ورومانيا والبلقان فأين هم اليوم؟ انهم يوم أن اصبحوا أقلية أفناهم الظلم والاستبداد.
ولهذا فكل اتحاد يفرض بالقوة على أقطار المغرب وشعوبه العربية، ويحول بينهم وبين جامعتهم هو حركة استعمارية رجعية تعسفية تستهدف إفناء العروبة والإسلام والوقوف أمام نهضة الشعوب العربية في مراكش وتونس والجزائر وإضعافها كقوة فعالة في تاريخ العالم. ولذا وجب على كل فرد منا أن يفهمه على حقيقتها وأن يشعر بالأخطار التي تهددنا من هذه الناحية، وأن نحشد كل ما لدينا من القوى الروحية والعقلية للوقوف أمامها حتى يشعر العالم اجمع انه ليس في عزمنا نحن معاشر الأمم الإسلامية والعربية أن نفنى بهذه السهولة من الأرض فتذهب ريحنا لدى الصدمة الأولى.
ولقد عرضنا في القسمين المتقدمين لمصاعب الاستعمار الفرنسي ولمسنا تأخره عن ملاحقة العالم، وكشفنا عن إفلاس - فرنسا كدولة حاكمة، وقلنا أن هذه الأمور جهر بها كتاب الغرب وسلم بها الفرنسيون أنفسهم أو فريق منهم، وكنا نقدم للقارئ ما يجول بنفسية الفرنسيون من آمال وسط هزائمهم وبعد أن ظهر للعيان تقصيرهم، وكنا نرمي بهذا أن نضع الحقائق مجردة أمام القارئ حتى يكون على علم بأقوال الخصم، وما يدخلها من غرور ووعيد وغايتنا من ذلك أن يفهم العالم العربي إن محاربة الاستعمار ستستلزم الوقوف على أساليبه والإلمام بطرقه وأن الدول الغاصبة مهما كانت سياستها غاشمة ومع ما بين أيديها من وسائل القمع، تحاول أن تفرغ هذه السياسة في قالب يقبله العقل ويسلم به، فعلى الذين نصبوا أنفسهم على الحقائق وأن كانت مرة ليتسنى لهم تحقيق ما رسموه لأنفسهم ومبادئهم من أهداف.
والدول الاستعمارية لا تفهم ما نقرره لأنفسنا بل لا تسلم به، وإنما لديها المنظمات التي توافيها بكل صغيرة وكبيرة عنا، وهي لا تنوي أن تتنازل عن أملاكها ومستعمراتها أو