تفرط في حق من حقوقها، إلا بالقدر الذي تنزعه الشعوب منها، وهذه في تقدمها وسيرها نحو الوعي القومي واليقضة تؤمل في أن تتشبع بالحقائق، حتى لا تذهب جهودها وضحاياها هباءً، ثم هي تروم أن تحقق لها مجداً وأن تسير في طريق التحرر والخلاص وأن تعالج مشاكلها على ضوء العلم ووضع الأمور في نصابها، فعلى المتصدرين للحركات العامة أن يهيئوا أنفسهم للقيادة، ولا يكون ذلك بغير العلم والبحث والدرس، وتتبع الدول الاستعمارية والكشف عن أغراضها ومراميها والوقوف موقف الحريص على حقوق هذه الشعوب بل موقف المتيقظ للدفاع عنها أمام الضمير العالي.
وقف في القرن الماضي بعض كتاب الإنجليز يتحدثون عن أعباء الرجل الأبيض ومسئولياته إزاء الشعوب المحكومة فقالوا انه يحمل عبئاً ثقيلاً هو قيادة هذه الشعوب نحو الحضارة والتقدم، وفي نفس الوقت أطلق كتاب أوروبا على دولة آل عثمان اسم رجل أوروبا المريض. فمن كان ينتظر بعد مضي سنوات أن تتبدل أحوال الكون وأن تصبح الأوضاع مقلوبة؟ فإذا بالإمبراطورية الفرنسية هي الرجل المريض الذي تخشى الدول الغربية وفاته، وإذا من أعباء الرجل الأبيض ممثلا في الحكومات الانجلوسكسونية بريطانيا وأميركا؛ حماية إمبراطورية مريضة في حالة النزع، والمحافظة على وحدتها، وأحياناً مجاملتها على حساب حرية الأمم المغلوبة على أمرها.
إن الأسلحة والمعدات الحربية التي تسلمتها من هذه الدول لم تستعملها في قتال الألمان وتحرير البلاد منهم، وإنما وجهت إلى صدور الشعوب المظلومة في مدغشقر والهند الصينية، وهذ١ العتاد سيستعمل يوما ضد أمم العروبة في المغرب فما الثمن الذي قبضه الرجل الأبيض؟: هو تحطيم السور الفولاذي حول المستعمرات أمام نشاطه وفتح حدودها واعتبارها أسواقا تجارية له، وماذا كسبت فرنسا الأم الحنون؟ كسبت المجد الدائم وهو أن تمر العمليات بطريق باريس بدلاً من أن تتجه رأسا إلى أراضي المستعمرات وفي سبيل ذلك يسلم الرجل الأبيض ببقاء فرنسا مدة أخرى في شمال أفريقيا محتفظاً لنفسه بحق الرجوع مرة ثانية إليها أما لتحريرها أو للمساعدة في تهدئتها.
في الوقت الذي كان رجال فيشي يفضلون فيه التضحية بأرض من فرنسا محافظة على وحدة أملاكهم الأفريقية، كان الفرنسيون الأحرار يفكرون تفكيرا استعمارياً من نوع آخر،