سأتناول من هذه المواد الغريبة أهمها وأكثرها استعمالاً، واعني بذلك الأفيون والحشيش. وسميت بالمخدرات لأن من أخص مميزاتها تخدير الآلام الجسمية والنفسية. كذلك يسمونها (المذهلات) لما تسببه من ذهول (وسطل)، وهو الاسم الذي تعرف به في علم الأدوية والعقاقير.
هي قديمة كالأزل عرفها الإنسان منذ أقدم العصور، وقد ذكر هوميروس نبات الأفيون في إلياذته. كذلك أبو قراط إله الطب عن قدماء الإغريق كان يستعملها في العلاج لبعض الأمراض مثل الهستريا التي كان يظن من مسبباتها عند النساء نزول الرحم والأمعاء وهبوطهما من المكان الخاص بهما في البطن. وقد حذا حذوه في استعمال الأفيون - بقصد العلاج - بعض أطباء الإغريق والرومان، ونذكر من الأخيرين (اندروماكلوس) طبيب نيرون الخاص كان يستعمله مع بعض العقاقير كمخدر وكنوع من الترياق. كذلك أطباء العرب وصيادلتهم مثل ابن البيطار الذي فند تعاليم جالينوس والذي يدين له علم الأدوية والعقاقير بالشيء الكثير. أما ابن سينا ومن انتمى إلى مدرسته من الفلاسفة والعلماء، فقد استعملوه بكثرة في الأدوية والعلاج.
أما في القرون الوسطى فقد قل نسبيا استخدام الأفيون في العلاج. واستمر الحال كذلك إلى أواخر القرن السابع عشر فقد هيئ له أن يبعث من جديد على يد الطبيب المعروف (سيدنهام) إذ خلط منقوع الأفيون - المنقوع في الكحول - بالزعفران والقرفة والقرنفل وركب منها خليطاً مشهوراً باسمه ولا يزال يستعمل ليومنا هذا ضد بعض الحالات الإسهال وآلام البطن. وقد قال في ذلك الطبيب سيد نهام إنه لولا الأفيون لصار الطب ناقصا أجدع.
أما الحشيش فقد عرف كذلك منذ آباد وأجيال سحيقة؛ فالهنود والصينيون كانوا يتعاطونه منذ أقدم العصور. وقد ادخله إلى بلاد الغرب بعض قبائل البدو والرحل الذين كانوا يقطنون شمال أسيا والجزء الواقع في الشمال الشرقي من أوربا. وقد روى (هيرودوت) المؤرخ أن تلك القبائل كانت تغلى بذور فاكهة الأفيون في الماء وتستنشق البخار المتصاعد