وأول من عنى بدراسة الحشيش من الوجهة العلمية هما الطبيب الألماني (مارشال) والطبيب الفرنسي (مورم دي تور) الذي كان مديراً لمستشفى الأمراض العقلية والعصبية في باريس والذي كتب في سنة ١٨٤٥ مؤلفاً نفيساً سماه (الحشيش والجنون) يصف فيه خواص الحشيش وأثرها في الجهاز العصبي، وقد تعاطى هذه المادة وجرب أثرها في نفسه. وقد قيل في المثل (سل المجرب ولا تسل الطبيب) فقد كان مجرباً وكان طبيباً فلا غرابة إن كان مؤلفه مصدراً موثوقاً به في هذا الصدد.
الأدباء والمخدرات:
كان بعض الأدباء يتعاطى هذه المواد ووجدوا فيها إلهاماً وإيحاءاً ووصفوا مفعولها وصفاً رائعاً يشوبه الخيال وما يميله من مبالغات تنافي بعض الشيء صرامة العلم ودقة العلماء. ومن هؤلاء الأدباء الأديب والشاعر الفرنسي (شارل بودلير) الذي عاش إلى سنة ١٩٦٧ وهو من اعظم شعراء الغرب وأشبههم من حيث الرقة والظرف والمجون بأبي نواس؛ فقد ورد في بعض مؤلفاته - واسمه (الفردوس الاصطناعي) - وصف الحشيش؛ فتأمله إذ يقول:(إن في الإنسان رغبة مستأصلة لإدراك المثل العليا والوصول إلى الحقيقة؛ لذلك يحاول ما أمكنه أن يخلص الروح ويطلقها من سجنها المادي العائق لها عن الوصول لهذه الأهداف. كذلك السعادة هي الضالة المنشودة لبني الإنسان؛ وبما إنها ليست في متناول الجميع فهو يحاول ما أمكن أن يتوهمها ويصطنعها: فقدح من مدام وشهقة من تبغ ومضغة من عشب (الحشيش) بهذا فقط تجد الروح تخلصت وتبدلت).
أما الكاتب الفرنسي (تيوفيل جوتيبه) الذي عاش إلى سنة ١٨٤٣ فقد ألف كتاباً سماه (نادي الحشاشين) يصف فيه مفعول الحشيش وأثره في نفسه فيقول: (ما هي إلا بضع دقائق حتى استولى على جسمي التخدير، وخيل لي إن جسدي قد ذاب وانحلت مادته وصار شفافاً، فأبصرت قطعة الحشيش التي مضغها تنزل هابطة في أحشائي كأنها زمردة تشع منها الملايين من أجسام ذرية لامعة؛ وتراءى لي أن هدب عيني يطول ويمتد إلى اللانهاية ثم يطوى كأنه أسلاك رفيعة من الذهب ويلتف حول عجلات صغيرة من العاج تدور حول نفسها بسرعة مدهشة، وقد اكتنفتني نهيرات من لجين تكدست على شواطئها أكوام من