للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

٥ - الشعر الجديد

وضعنا أمام القارئ في كلمتنا السابقة وصفاً إجمالياً لمنظومة من (الشعر الجديد) حاولنا أن نكشف به عن الطابع العام لهذا الشعر. فإذا هو - كما يمكن أن يتخيل القارئ - مجموعة من التفكك والاضطراب، والبرقشة والأغراب. ولولا خشية الإملال لوصفنا غيرها وغيرها، فلدينا من هذا الشعر أكداس. وقد وعدنا أن نزيد في هذا الكشف في أثناء حديثنا كلما عنت مناسبة. ونجد الآن الفرصة سانحة للإشارة إلى مظهر آخر من مظاهره البارزة: ذلك هو الإسراف في بث المجاز والاستعارة في تضاعيفه، وتحميل الكلام منهما أحمالاً ثقيلة، والغلو في ذلك غلوا شديداً. ولا تحسبن أن هذا عن بصر بهما، أو علم بأصولهما، أو إحاطة بأساليبهما، فذاك مطلب جد عسير عليهم؛ فقد أزحنا بعض الستار عن ماهيتهم، وأبنا شيئاً من طرائق تزييفهم، ووسائل تمويههم. وإنما الذي يصنعون صور منهما افتعلت افتعالاً، وصيغت على أمثلة صاخبة متراكبة، وصبت في قوالب غثة، مما نراه في الأدب الرخيص الشائع الآن بين العامة وأشباه العامة

ويضطرني هذا المقام أن أقول - والأسف يملأ نفسي - إن بلية هذا (الأدب) ليست مقصورة على هؤلاء الشعراء وغيرهم من صغار الكتاب، بل تجاوزتهم إلى الطلاب ممن لم يزايلوا بعد مقاعد الدراسة الثانوية. فعملت فيهم عمل السوس، وأفسدت من سلائقهم، وشلت من ملكاتهم، ولوثت من نفوسهم.

وطالما جهرت - بقلمي وبلساني - بأن هذا الضعف الملحوظ في منشآت الطلبة الآن إنما مبعثه قلة ما يقرءون من مستجاد الكلام وشريف الأفكار، ثم ذيوع هذا (الأدب) بينهم، وتهافتهم عليه؛ لما به من مغريات الشباب وعوامل استمالته ومخادعته. (والفتى آلف لما يستعيد). فضع ما شئت من مادة بين يدي الحدث، وخذه بها، وأدمه عليها، يطبع عليها لا محالة.

ولقد كنت أرى ممن خالطتهم من الإنجليز في بلادهم، أن الوالدين يحرصان كل الحرص على انتقاء ما يطالعه الأبناء في أوقات فراغهم، ويحولان بينهم وبين ما يمس أخلاقهم، أو يضعف لغتهم، ويبذلان في ذلك أعظم الجهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>