فللولد هناك مكتبة، وللبنت مكتبتها، حافلة بما يقوي العقل، ويقوم الخلق، ويغذي اللسان
والنشء من أبنائنا محرومون كل هذا، مهملون إهمالاً يكاد يكون شاملاً. وقد انصرف أدباؤنا وشعراؤنا عنهم، وأمعنوا في نسيانهم، وكتبوا وألفوا للكبار وحدهم؛ اللهم إلا محاولات لا تنقع علة، ولا تبل صدى
أعود - وقد استطردت مرغماً - إلى ما كنت بسبيله من الكلام في المجاز والاستعارة، فأقول: إن الأساليب العربية النقية قد اقتصدت فيهما اقتصاداً، فلا تلجأ إليهما، ولا إلى التشبيه أو غيره من طرق البلاغة إلا لغرض حافز، لا للزينة وحدها أو التهويل. يستبين ذلك في كلام الأبيناء من أئمة الترسل قديماً وحديثاً، لا الذين احتفلوا بالتنميق والتزويق، وتعملوا وتكلفوا، وجعلوا الكلام بضاعة تزخرف كما تزخرف السلع المعروضة للأنظار
وهذا كتاب الله، وهو في الذروة من البيان، لا ترى فيه - إذا تجوز - إلا السهل الممتنع الذي حيكت مادته من المألوف السائغ، والبسيط المستعذب
وللعربية مناهجها في التعبير، وروحها في التصوير، ومهايعها في التفكير. ويفهم عنها هذا من تمرس بها وكابدها وتوفر عليها - ولها فوق ذلك - مرانتها ولينها وسلاستها
فعبروا - في هذا النطاق - عما تدعون من غريب مبتكراتكم، وبديع تجديداتكم، ثم دعونا نفهم عنكم، إن استطعتم
ولقد كنت عمدت إلى طائفة من هذا (الشعر) فنثرت ما أمكنني أن ألم شعثه منها، بعد جهد وعناء، فحصل لدي صفحات كنت أبغي عرضها في كلمة من كلماتي ابتغاء التمثيل
فلما عدت إليها بعد ذلك ألفيتها تمثيلاً غير صادق لمذهبهم؛ إذا أن ألفاظهم وحدها هي - في الحقيقة - التي تكشف عما أوضحت من خصائصهم. ومتى بدت الألفاظ، تكشفت عنها الأشخاص. وقد آثرنا - كما قلنا من قبل - أن نكون عن هذا بمنأى
حاشية:
بعد أن فرغت من مقالي هذا، جاءتني الرسالة (عدد ٥٦١) وفيها كلمة موجزة للكاتب الفاضل الأستاذ دريني خشبة، ينقد بها آرائي في (الشعر الجديد)، وسأجيب عنها إن شاء الله